يعرف الفقهاء معنى الغفلة بأنها ضد الفطانة، ويقولون ذو الغفلة هو من اختل ضبطه وحفظه، ولا يهتدي إلى التصرف الرابح، وقيل الغفلة هي غيبة الشيء عن بال الإنسان، وهذه الغفلة ذمها الله ورسوله.
الذنوب تورث الغفلة
إذا كثرت ذنوب العبد طبعت على قلبه فكان من الغافلين، قال الله: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون). والران هو الذنب بعد الذنب.
قال المحاسبي: “اعلم أن الذنوب تورث الغفلة، والغفلة تورث القسوة، والقسوة تورث البعد من الله، والبعد من الله يورث النار، وإنما يتفكر في هذا الأحياء، وأما الأموات فقد أماتوا أنفسهم بحب الدنيا”.
قال ابن القيم: (فمما ينبغي أن يُعلم أن الذنوب والمعاصي؛ تضر ولابد، وأن ضررها في القلب كضرر السُّموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلَاّ سببه الذنوب والمعاصي؟ !)
تسويف التوبة
من أشد الأمور التي تعين الشيطان على الإنسان أن يسوف توبته ويخدع نفسه بالأماني، قال أنس بن مالك – رضي الله عنه -: (التسويف جند من جنود إبليس عظيم، طالما خدع به!).
ذو الغفلة جبان
لا يستطيع الإنسان أن يتخلص من خوفه وجبنه إلا بالتخلص من الغفلة، فإذا تخلص من الغفلة استطاع أن يجمع قوته ويحارب عدوه من شياطين الإنس والجن؛
لأن الغفلة التي تصيب الإنسان تجعله ينشغل عن عدوه من الشياطين فيصاحب الشياطين والنفس الأمارة بالسوء وبطانة السوء حتى لا يخرج من سطوة وسيطرة أعدائه، فإذا أصابه الأذى منهم ربما دفع عن نفسه الغفلة واستجمع قوته ليحارب أعداءه.
متى يطلب من الإنسان الغفلة
يطلب من الإنسان أحيانا أن يكون غافلا بأن يغفل عن القبائح؛ لأنه إذا غفل عنها ونسيها سيمتنع من فعلها، لأن فعلها لا يحصل إلا بذكرها والعزم على فعلها.
العقاب الدنيا مسبب عن الغفلة
ورد في كتاب الله من الآيات التي تفيد أن ما نزل بالأمم السابقة من نقمته وعذابه بهم إنما كان بسبب غفلتهم فقال الله:
(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ).
عقاب الآخرة سببه الغفلة
بين الله أن مما يجعل الكافرين متحسرين في الآخرة هو أنهم كانوا في غفلة عن هذا اليوم الشديد، فقال الله:
(وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ)
وقال الله: (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ * أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).
الغفلة تسلب العقول
غفلة الإنسان تجعله يعيش في هذه الدنيا معطل الجوارح مثله كمثل الأنعام بل الأنعام تكون أحسن حالا منه لأنها قد استعملت جوارحها في حدود ما أتاحه الله لها لكن الإنسان قد عطل جوارحه بإرادته.
فقال الله: (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ).
النهي عن الغفلة
ورد نهي الله لنبيه وهو خطاب للعباد في شخص النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى لا يعرضوا أنفسهم لمقت الله وغضبه.
قال الله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ).
حال المهلكين الذين أصابتهم الغفلة
ذكر الله في القرآن لنا حال كثيرين ممن أنزل بهم مقته وغضبه وعقابه في الدنيا وبين أن سبب نزول العذاب بهم هو أنهم كانوا غافلين عن آيات الله.
قال الله: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ).
وصف الله الجمادات بالغافلة
الجمادات غافلة لا تسمع ولا تبصر ولا تشعر ولا تعقل، قال الله: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ).
نهي الله عباده عن ظنهم به الغفلة
أمر الله عباده ألا يظنوا به الغفلة، فقال الله: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ).
الغافل لا يستجاب دعاؤه
عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله- عزّ وجلّ- أيّها النّاس، فسلوه وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل)[أحمد]
ترك الجمعات يجلب الغفلة
من ترك صلاة الجمعة وتهاون بها كتب عند الله من الغافلين، عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- أنّهما سمعا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول على أعواد منبره: (لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم. ثمّ ليكوننّ من الغافلين)[مسلم]
شهادة ذو الغفلة
اتفق الفقهاء على اشتراط الحفظ والضبط لمن يقوم بأداء الشهادة، كما لا تقبل شهادة من يعرف بكثرة الغلط والنسيان؛ لأن الثقة لا تحصل بأقوال الغافل أو الناسي.