ينبغي على الدعاة إلى الله أن يخففوا وييسروا على الناس وألا يشغلوهم بتوافه الأمور وإنما يتدرجوا بالأهم فالمهم.
التخفيف والتيسير
من معالم ديننا أنه دين يراعي التخفيف والتيسير على الناس لئلا يقعوا في الحرج، فإذا شرع الله أمرا من الأمور فإن هذا التشريع إنما يكون لعموم الناس
فإذا كان هناك أصحاب أعذار خفف الله عنهم وراعي عذرهم، كفريضة الصلاة مثلا فإن القيام في الفريضة ركن من أركانها فإذا عجز الإنسان عن القيام فإن الشرع يخفف عنه ويبيح له أداء الصلاة قاعدا أو على جنب.
وكذلك الصيام إذا عجز عنه المريض والمسافر خفف الله عنهما وأباح لهما الفطر ثم القضاء بعد ذلك، يقول الله:
(فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ ).
وقال الله: (يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا).
تيسير النبي على أمته
ينبغي على الدعاة أن يلتزموا ما كان يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد كان دائما يميل إلى التخفيف والتيسير فيما لم يكن فيه تشريع ملزم من الله.
عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما،
فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها)[البخاري]
لذا كان من وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته أن ييسروا على الناس ولا يعسروا الأمور لهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)[البخاري]
والتيسير هو الأخذ بالأسهل لينشط الناس للعمل، والتبشير بما يدخل السكينة والطمأنينة على القلوب.
من صور تخفيف النبي على أمته
هناك الكثير من الصور التي راعي فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التخفيف على أمته، كترك النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة القيام في الليل في رمضان في جماعة،
فقد خرج رسول الله فصلى في فناء بيته فرآه جماعة من الصحابة فصلوا بصلاته وذلك في رمضان،
ثم خرج من الليلة الثانية فصلوا وصلوا بصلاته حتى فعل ذلك ثلاث مرات ثم لم يخرج إليهم حتى اجتمع الصحابة ينتظرون رسول الله فلم يخرج لهم،
فلما خرج عليهم في صلاة الفجر وسألوه عن سبب عدم خروجه للصلاة أخبرهم بأنه خاف أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها، فكان سبب امتناعه عن الخروج خوفه أن تفرض على أمته وهذا نوع من التيسير والتحفيف على الأمة.
التخفيف في الصلاة
التخفيف في الصلاة مراعاة للضعيف والمريض وذا الحاجة، عن أبي مسعود قال: إن رجلا قال: والله يا رسول الله، إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان، مما يطيل بنا،
فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في موعظة أشد غضبا منه يومئذ، ثم قال: (إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة)البخاري
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- ربما يتجوز في صلاته إذا سمع بكاء صبي رحمة بأمه،
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي، كراهية أن أشق على أمه)[البخاري]
النهي عن التشدد في العبادة
من الأمور التي نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- التنطع بتحريم ما أحل الله -عز وجل- وفرض الإنسان على نفسه ما لم يفرضه الله عليه، وهذا من الإرشادات النبوية التي يجب على الدعاة أن يكونوا على وعي بها.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا:
أين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أتي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)[البخاري]
الضرورات تبيح المحظورات
من القواعد الفقهية التي قررها الفقهاء والتي استمدوها من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قاعدة الضرورات تبيح المحظورات،
وهذا معناه أن الضرورة التي يقع فيها الإنسان وقد تضر بنفسه أو ماله أو دينه تلك الضرورة قد تبيح له ما كان محرما،
وهذا واضح في آية من كتاب الله والتي حرم الله فيها أكل الميتة وغيرها تحريما قاطعا لكن في نهاية الآية أباح ما كان محرما في أول الآية إذا كانت نفسه ستتعرض للهلاك ولم يجد إلا هذه المحرمات أمامه فأباح الله له أكل ما كان محرما ليحفظ نفسه لأن حفظ النفس مقدم على تنفيذ الحكم.
قال الله: (حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ
وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ
ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ).