الفقه

رعاية الأولويات في الشريعة الإسلامية

ليست كل الأعمال في الإسلام على درجة واحدة وإنما هناك ما قرض، وما هو مستحب، وهناك ما هو حرام وما هو مكروه، وهناك ما هو أولى بالتقديم من غيره.

الأحكام الخمسة

قسم الفقهاء الأحكام إلى خمسة أنواع وهي:

الواجب: وهو ما يعاقب الإنسان على تركه ويثاب على فعله.

والمستحب: هو ما يثاب الإنسان على فعله ولا يعاقب على تركه.

والمباح : هو ما لا يثاب الإنسان على فعله ولا يعاقب على تركه.

والحرام: هو ما يعاقب الإنسان على فعله ويثاب على تركه.

والمكروه : هو ما يثاب الإنسان على تركه ولا يعاقب على فعله.

وهذا التقسيم الذي أورده الفقهاء للأحكام يدل بشكل قاطع على أن الأحكام ليست كلها على درجة واحدة.

القرآن يؤكد فقه الأولويات

نصوص القرآن الكريم تؤكد لنا على وجود الأولويات في تطبيق الأحكام وتؤكد على أن الأحكام ليست كلها على درجة واحدة كما في قول الله:

(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.

الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)

فقد قال المشركون لليهود نحن سقاة الحجاج، وعمار البيت الحرام، أفنحن أفضل أم ما عليه محمد وأصحابه.

فأخبرهم اليهود بأن ما هم عليه أفضل مما عليه محمد وأصحابه، فأنزل الله هذه الآية يعيبهم على تقديمهم لهؤلاء الوثنيين الذي يعبدون الأحجار والأصنام لمجرد أنهم يسقون الحجاج ويعمرون بيت الله الحرام.

فكان الأولى بهم أن يقدموا من يعبدون الله؛ لأن الإيمان بالله هو أصل الإيمان الذي يجب الإتيان به أولا خاصة وأنهم أهل كتاب يؤمنون بالله ويؤمنون برسالات الأنبياء.

السنة تؤكد فقه الاولويات

عن ‌أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌الإيمان ‌بضع ‌وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)[مسلم]

فهذا الحديث يدل على أن الإيمان ليس كله على درجة واحدة، وإنما فيه أجزاء منها ما هو أعلى ومنها ما هو أدنى.

قال الخطابي في معالم السنن: “هذا الحديث بيان أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى ذي شعب وأجزاء له أعلى وأدنى”.

أكبر الكبائر

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرا ما يبين لأصحابه أن هناك من الذنوب ذنوب كبائر وهذا يعني أن هناك صغائر، وهناك أعظم الكبائر وهي أكبر الكبائر أي أنها أشد أنواع الكبائر.

وهي ذنوب ليست كغيرها من الذنوب وإنما إثمها أعظم وأشد عند الله حتى يكونوا على حذر من الوقوع فيها وهذا يؤكد على ما أكده العلماء من فقه الأولويات.

عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن من ‌أكبر ‌الكبائر أن يلعن الرجل والديه).

قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: (يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)[البخاري]

وعن أنس بن مالك، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (‌أكبر ‌الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور، أو قال: وشهادة الزور)[البخاري]

السبع الموبقات

الذنوب الموبقات هي التي توبق صاحبها في نار جهنم، والموبقات هي المهلكات، وهذه الذنوب كان رسول الله ينص عليها ويحذر أمته منها.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اجتنبوا ‌السبع ‌الموبقات). قالوا: يا رسول الله: وما هن؟ قال:

(الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)[البخاري]

أحب الأعمال إلى الله

كما أن الذنوب تتفاوت درجاتها فمنها ما هو من أكبر الكبائر أي أعظمها، ومنها ما هو من الكبائر، ومنها ما هو من الصغائر،

فإن الأعمال الصالحة تتفاوت درجاتها أيضا فمنها ما هو من أحب الأعمال إلى الله، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال:

(يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن ‌أحب ‌الأعمال ‌إلى ‌الله ما دام وإن قل)[البخاري]

أفضل الأعمال

تتفاضل الأعمال فنمها ما هو فاضل ومنها ما هو مفضول، عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أفضل؟ قال:

(إيمان بالله، وجهاد في سبيله). قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: (أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها).

قلت: فإن لم أفعل؟ قال: (تعين صانعا، أو تصنع لأخرق). قال: فإن لم أفعل؟ قال: (تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك)[البخاري]

الإخلال بمبدأ فقه الأولويات

من الخطأ الذي يقع فيه كثير من الملتزمين أنهم يخلون بمبدأ الأولويات فربما يقدم الواحد منهم السنة على الفريضة، وربما ينتهي عن المكروه ويقع في الحرام، وهذا خلل في الفهم يترتب على فساد العمل.

فمن فعل السنة وترك الفريضة كان مثله كمثل من صلى سنة العصر وترك الفريضة فإن هذه السنة لن تنفعه، ولن تسقط عنه المطالبة بأداء هذه الفريضة، ولن ترفع عنه العقاب على ترك الفريضة.

فإن أقرب ما يتقرب به المتقربون إلى الله إنما هو فعل ما افترضه الله عليهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

(إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء ‌أحب ‌إلي ‌مما افترضت عليه..)[البخاري]

مواضيع ذات صلة