تعرف على القواعد السياسية التي تبنى عليها الدولة
هناك قواعد أساسية تبنى عليها الدولة في الإسلام وهذه القواعد تستلهم من الأحكام التي وضعها الله في كتابه ومن سنة رسوله.
القاعدة الأولى: الاحتكام للشريعة
من الأمور التي أوجبها الله على المسلمين هي الاحتكام للشرع الذي أنزله الله لعباده، فالله لم ينزل الشريعة ولم يرسل بها رسله من أجل أن نتعلمها دون أن نعمل بها، وإنما أمرنا الله بمعرفتها لنقوم بالعمل بما فيها.
قال الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَل ضَلَالاً مُبِينًا).
وقال الله: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَْمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
فاتباع الشريعة التي أنزلها الله لعباده على لسان نبيه أمر واجب لا يجوز الخروج عنه؛ لأنها الشريعة التي تقوم عليها الحجج والبراهين بخلاف غيرها مما لا حجج فيه ولا براهين.
القاعدة الثانية: طاعة الله ورسوله
الأمر بالاتباع الذي أمرنا الله به لا يختص بالقرآن وحده، وإنما أمرنا الله باتباع القرآن، واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإن طاعة الرسول إنما هي طاعة لله؛
لأن الله أمرنا باتباع نبيه؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتي ببعض الأحكام الزائدة على ما في كتاب الله فقد الله أمره بالبيان والتوضيح فقال الله:
(وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ).
من أجل ذلك كانت طاعة الرسول طاعة لله قال الله: (مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا).
وقال الله وهو يأمرنا بطاعته وطاعة رسوله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ).
وهنا ذكر الله لفظ الطاعة معه لأن القرآن يستقل بالتشريع، وذكر لفظ طاعة مع النبي؛ لأن له طاعة مستقلة فهو يأتي بأحكام زائدة على ما في القرآن، ولم يأت بطاعة مع أولي الأمر لأنه لا طاعة لهم إلا إذا أطاعوا الله ورسوله.
وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى).
قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)[البخاري]
وما جاء في النصوص مخاطبا به الفرد فإنه يخاطب به الجماعة المتمثلة في الدولة.
هل الشريعة تتعارض مع سيادة الحاكم؟
ليس هناك تعارض بين تطبيق الشريعة وسيادة الحاكم؛ لأن الشريعة نفسها تأمر بوجوب طاعة الحاكم، وفي نفس الوقت تأمر الحاكم بأن يعمل لمصلحة الجماعة الذين ولاهم الله عليهم.
فتأمره الشريعة بأن يعين الناس على طاعة الله وتنفيذ أوامره، كما تعطي الشريعة للحاكم سلطة تطبيق القرارات ووضع القوانين التي يستمدها من الشريعة.
فنصوص الشريعة محدودة مهما كثرت لأن حوادث الزمان لا نهاية لها مما يضطر الحاكم لوضع قوانين كثيرة لكل ما يستجد من القضايا.
القاعدة الثالثة: مبدأ الشورى
الحكم من الأمانات التي أمرنا الله بالحفاظ عليها وأدائها كاملة غير منقوصة، ومن أداء أمانة الحكم ألا يستبد الحاكم برأيه فيقوم مقام ملايين البشر بعقل واحد وهو عقله دون مشورة ودون الاستفادة من عقول من حوله.
لقد أمر الله رسوله بالمشورة مع أنه كان أغنى الناس عنها، قال الله : (وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ).
ووصف الله جماعة المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم فقال الله: (وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ).
القاعدة الرابعة: إقامة العدل
من الأسس التي جاءت بها كل الشرائع السماوية هو تحقيق مبدأ العدل بين الناس، وحث الناس عليه، قال الله:
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).
وقال الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ).
القاعدة الخامسة: الإمام كرعيته
إن كان الإمام قد أوجب الله على رعيته طاعته وإعانته على أمور الحكم، فإن هذا الحاكم لا يرتفع قيد أنملة عن التشريع الذي أمر الله به عباده، فهو مطالب كرعيته بتنفيذ أوامر الله.
لقد كان الأنبياء الذي أعلى الله قدرهم وفضلهم على غيرهم مأمورين باتباع أوامر الله وتطبيق الشرع الذي بلغه الله لهم على أنفسهم أولا.
وقد هددهم الله أنهم إن لم يلتزموا أوامر الله فسيعرضون أنفسهم لسخط الله، قال الله: (وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ).
القاعدة السادسة: الإمام
الإسلام هو دين ودولة، ولإقامة الدولة لابد لها من إمام يقوم على أمرها وينظم حالها في حالة السلم والحرب، قال الله:
(وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ).
قال القرطبي: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع؛ لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليقة.
وقد ورد في السنة أنه لابد من جود إمام يقوم على أمر الجماعة وأنه ينبغي عليهم ألا يتركوا أنفسهم دون إمام، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)[أبو داود]
قال الشوكاني: وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون، فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ويحتاجون لدفع التظالم وفصل التخاصم، أولى وأحرى.