اتقاء الشبهات من القواعد التي قررها الإسلام
أمر الإسلام المسلم باتقاء الشبهات بألا يضع نفسه في مواضع الريبة والتهمة ليسلم له دينه ولئلا تلوكه الألسنة.
التحذير من الشبهات
حذرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من القرب من الشبهات لأنه يخشى على الإنسان إذا اقترب منها أن يقع في الحرام.
فقال صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبها استبرأ لدينه وعرضه.
ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى أوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه.
ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)[البخاري]
فهناك أمور يشتبه أمرها ولا تتبين بشكل قاطع أهي من الحلال أم من الحرام فمن اتقى هذه الأمور التي يشتبه أمرها فقد طلب البراءة لدينه من النقص وعرضه الطعن، وعرض الإنسان هو موضع مدحه وذمه.
فإن من ملوك العرب من كان يضع يده على أرض له يمنع غيره من الرعي فيها، فكان الراعي إذا اقترب بأغنامه أو إبله منها ربما شردت منه غنمة فدخلت في حمى الملك فيعرض نفسه للعقاب.
فكان يجعل بينه وبين حمى الملك مسافة كبيرة ليأمن من الدخول في حمى الملك، وليأمن من العقاب، وهكذا المؤمن يضع بينه وبين الحرام حواجز من الحلال لئلا يقع في الحرام.
حرم الله القرب من الزنا
إذا كان الإنسان يريد لنفسه سلامة دينه لتسلم له آخرته فيجب عليه أن يبتعد عن الحرام وأن يبتعد عن كل ما يقرب للحرام، فإن الله بين لنا أن الزنا محرم على المؤمنين فقال الله:
(ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ).
ومن أجل أن نصون أنفسنا من الوقوع في هذه الجريمة أمرنا الله بعدم القرب من أي شيء يقربنا من هذا الأمر فقال: (وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا).
من أجل ذلك حرم الله علينا خلوة الرجل بالمرأة بموضع بحيث يأمنان من دخول ثالث عليهما.
النبي يدفع الشبهة عن نفسه
عن علي بن الحسين -رضي الله عنهما-: أن صفية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته: أنها جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوره في اعتكافه في المسجد،
في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة،
مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لهما النبي -صلى الله عليه وسلم-: (على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي). فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما،
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا)[البخاري]
قال الشافعي: “كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم شفقة عليهما؛ لأنهما لو ظنا به ظن سوء كفرا فبادر إلى إعلامهما ذلك لئلا يهلكا”.
وقال الخطابي في معالم السنن: “فيه من العلم استحباب أن يتحرز الإنسان من كل أمر من المكروه مما تجري به الظنون ويخطر بالقلوب وأن يطلب السلامة من الناس بإظهار البراءة من الريب”.
اتقاء الشبهات في التجارة
من الآداب التي ينبغي على المسلم أن يلتزم بها في تجارته إذا دخل في سوق قد اختلط فيه الحرام بالحلال وغلب فيه الحرام أن يتقي هذا السوق ليسلم له دينه.
ترك الشبهات فيه مشقة
أمر الورع ليس أمرا سهلا بحيث يستطيعه أي واحد من الناس، وإنما هو أمر فيه مشقة ويحتاج لمجاهدة، وإنما يحمله على فعل ذلك مشقة التزام جانب التقوى.
قال الشاطبي: (ولا كلام في أن الورع شديد في نفسه، كما أنه لا إشكال في أن التزام جانب التقوى شديد).
ترك الشبهات من الورع
مما يدل على ورع المسلم تركه للشبهات، فإن كان في التزام الورع حرج ومشقة سقط؛ لأنه لا تكليف بما هو فوق الطاقة.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة)[الترمذي]
جوائز السلطان
كان هناك من الأئمة من يكره جوائز السلطان ويتورع عنها، كالإمام أحمد فإنه قال فيها: أكرهها، وكان يتورع عنها، ويمنع بنيه وعمه من أخذها، وأمرهم بالصدقة بما أخذوه، وذلك لأن أموالهم تختلط بما يأخذونه من الحرام من الظلم وغيره فيصير شبهة.
لكن إذا كان الإنسان مخيرا بين أن يأكل من الصدقة؛ لأنه لا يجد ما يقتات به وبين أن يأخذ من جوائز السلطان فإن جائز السلطان أولى من الصدقة؛ لأن الصدقة إنما هي وساخات الناس وقد تنزه رسول الله عنها.
قال أحمد: “جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة، يعني أن الصدقة أوساخ الناس صين عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- وآله لدناءتها ولم يصانوا عن جوائز السلطان”.
فجوائز السلطان في ذاتها ليست محرمة، فقد سئل الإما أحمد عنها فقيل له: “مال السلطان حرام؟ فقال: لا، وأحب إلي أن يتنزه عنه”.
درء الحدود بالشبهات
من الاعتبارات التي وضعها الإسلام لتطبيق الحدود أن يكون الأمر قد ثبت بشكل قاطع لا لبس فيه ولا شبهة.
لكن إذا كان في الأمر أي شبهة فإن الحد يسقط بتلك الشبهة؛ لأن الإسلام لا يحتال من أجل إقامة الحدود على الناس.
“ذكر ابن قدامة أن الحاجة شبهة دارئة لحد السرقة، فقد ورد أن عمر -رضي الله عنه- لم يقم حد السرقة في عام المجاعة، وأسقطها عن غلمة حاطب بن أبي بلتعة حينما سرقوا بعيرا لآخر وذبحوه وأكلوه”[الموسوعة الفقهية الكويتية]