معاملة النبي لأصحاب المعاصي تعرف على ذلك
تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحاب المعاصي بما يليق بحال كل واحد منهم، ولم يكن يقبل الشفاعات عند إقامة الحدود.
بيان عظم الذنب
بعض الصحابة أحيانا كان يرتكب الخطأ ولا يشعر بعظم هذا الذنب فيبين له رسول الله كبر هذا الذنب عند الله لئلا يقع فيه ثانية.
عن عائشة، قالت: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: حسبك من صفية كذا وكذا، قال غير مسدد: تعني قصيرة، فقال:
(لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: (ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا)[أبو داود]
قال النووي: هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها وما أعلم شيئا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ (وما ينطق عن الهوى).
هجر العاصي
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحيانا يهجر العاصي عقوبة له على معصية وزجرا لغيره حتى لا يقع في مثل ما وقع فيه.
فقد هجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وهجرهم كل المسلمين، ثم نزلت فيهم توبة الله بعد ذلك فقال الله:
(وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ).
لا تسقط الحدود بالشفاعات
أحكام الله أنزلها لتطبق على الجميع بلا استثناء فلا شفاعات ولا استثناءات في تنفيذ حدود، عن عائشة -رضي الله عنها-: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة ابن زيد، حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلمه أسامة،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أتشفع في حد من حدود الله). ثم قام فاختطب ثم قال:
(إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)[البخاري]
قال ابن بطال: “ذهب جماعة العلماء إلى أن الحدّ إذا بلغ الإمام أنه يجب عليه إقامته؛ لأنه قد تعلق بذلك حق لله ولا تجوز الشفاعة فيه لإنكاره ذلك على أسامة وذلك من أبلغ النهى”.
“وفيه دليل على أن الشفاعة في الحدود غير جائزة. قيل: إنما ضرب المثل بفاطمة ابنته لأنها كانت سَمِيَّةً لها، وكانَتْ أعز أهله عليه”.[المفاتيح في شرح المصابيح]
الرفق في تعليم الجاهل
عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (بينا أنا أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم؟
تنظرون إلي! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت. فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني.
قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن). أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.[مسلم]
إزالة المنكر باليد
كان رسول الله أحيانا يزيل المنكر بيده إذا لم يكن فيه تعد، عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال:
(يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده!). فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله، لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.[مسلم]
قال القرطبي: “يدلُّ -هذا الحديث- على تغليظ التحريم، وأن لباس خاتم الذهب من المنكر الذي يجب تغييره”
وقال: “وقول الرجل: (لا والله! لا آخذه أبدًا) مبالغة في طاعة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فيكون الرجل قد نوى أن يدفع لمن يستحقه من المساكين؛ لا أنه أضاعه، فإنَّه – صلى الله عليه وسلم – قد نهى عن إضاعة المال”.
التلميح بالعصاة دون تصريح بأسمائهم
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يواجه أحدا من الناس بما يكرهه ولا يصرح بأسماء المخالفين وإنما يلمح بفعلهم دون أسمائهم فيقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا).
عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا من بني أسد، يقال له ابن الأتبية، على صدقة، فلما قدم قال:
هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
(ما بال العامل نبعثه، فيأتي فيقول: هذا لك وهذا لي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى أم لا؟
والذي نفسي بيده، لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته: إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر). ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه: (ألا هل بلغت). ثلاثا.[البخاري]
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟)[أبو داود]
زجر المخالف زجرا شديدا
في بعض الأحيان كان هناك من يقع في المخالفة فيشتد رسول الله عليه كراهية لفعله وتغليظا عليه؛ لئلا يفعل غيره مثل فعله.
عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا.[مسلم]