عناية علماء الأمة الإسلامية بالسنة النبوية
السنة النبوية هي الأصل الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، وهذا المصدر هو الذي يوجه أعداء الإسلام سهامهم دائما له محاولين هدمه، فيثيروا الكثير من الشبه حول السنة ليشككوا المسلمين في دينهم.
شبهة تفرد علماء الحديث بالسنة وحدهم
من الشبهات التي تثار حول المحدثين الادعاء بأنهم انفردوا بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- دون غيرهم من العلماء ووضعوا له قواعده حتى كان كأنه حكر عليهم دون غيرهم من العلماء.
رد الشبهة
الحقيقة لم يتفرد علماء الحديث بالسنة دون غيرهم من العلماء وإنما كل علماء الأمة بمختلف مجالاتهم قد خدموا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتناول كل فريق من العلماء بالدراسة بما يتوافق مع أصول العلم الذي يجيده.
عناية الفقهاء بالسنة
فمثلا الفقهاء أعملوا عقولهم في متون الأحاديث واستنبطوا منها الكثير من الأحكام الشرعية، فما من فقيه من الفقهاء إلا وكانت المادة التي يعتمد عليها في استنباط الأحكام القرآن والسنة وذلك واضح في مؤلفات الفقهاء.
وكان المحدثون يقدرون عقل الفقهاء وكيفية استنباطهم للأحكام من الأحاديث فتلك صناعة لها أدواتها وعلومها.
فهذا هو الإمام أحمد بن حنبل وكان من تلاميذ الإمام سفيان بن عيينة وسفيان هذا كان إمام الحديث في عصره، لكن الإمام أحمد كان يترك مجلس ابن عيينة ويذهب لمجلس الإمام الشافعي وهو فقيه كبير وله مذهبه المشهور.
فلما سئل عن سبب حضوره لمجلس الشافعي وتركه لمجلس ابن عيينة قال: إنك إن فاتك الحديث بعلو تجده بنزول، ولا يضرك ذلك، أما إن فاتك عقل هذا الفتى يعني الشافعي فإني أخاف أن لا تجده إلى يوم القيامة، فما رأيت أفقه بكتاب الله تعالى من هذا الفتى القرشي.
عناية أهل اللغة بالسنة
وعلماء اللغة والبلاغة تعرضوا للبلاغة النبوية في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- فرسول الله أوتي جوامع الكلم وهو أفصح الفصحاء.
وهذا ظاهر في كتب البلاغة ككتب عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة وغيره فإنهم قد تعرضوا لبعض أحاديث النبي وبينوا ما فيها من البلاغة والبيان.
من هذه الكتب التي ألفت في البلاغة النبوية أضواء على البلاغة النبوية لإبراهيم الجعلي، والإيجاز والإشارة في البيان النبوي لعبد الرحمن بودرع، وبلاغة الرسول لعلي العماري، وبناء الجملة في الحديث النبوي الشريف في الصحيحين لعودة خليل.
شروحات السنة
اهتم الكثير من العلماء بوضع الشروحات للسنة النبوية فبعضهم تعرض للكلام على الأسانيد والمتون فبينوا حال الأسانيد من حيث الصحة والضعف، وبينوا ما في المتون من الأحكام والبلاغة.
من هذه الشروح كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر، وكتاب شرح صحيح مسلم للنووي، وغير ذلك الكثير والكثير من الشروح التي خدمت النصوص النبوية.
الوعظ والإرشاد
أيضا العلماء الذين تكلموا في الوعظ والإرشاد والأخلاق واهتموا بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- واعتمدوها مادة أساسية يدعمون بها أحاديثهم وما يتناولونه من موضوعات وعظية وأخلاقية.
احترام التخصص
هنا نلاحظ أن كل فريق من هؤلاء العلماء قد التزم بحدود تخصصه فلم يخرج منه لحدود التخصص الآخر؛
لأنه كما يقولون إذا تكلم الإنسان في غير فنه أتى بالعجائب، فلو أن الفقهاء أو علماء البلاغة أو علماء اللغة الذين ليست لهم دراية بعلوم السنة أقحموا أنفسهم فيما ليس من تخصصهم لأتوا بما أبان عوراهم وفضح أمرهم وأظهر جهلهم.
لأنه ليس من تخصصهم البحث عن علل الحديث ولا البحث في صحة الحديث من ضعفه لأن هذا علم كامل يحتاج لزمان طويل حتى يكون الإنسان على دراية به.
فأهل الحديث هم الذين تتبعوا الأسانيد وهم الذين اعتنوا بمعرفة حال الرجال وهم الذي عرفوا علل الحديث وعرفوا الصحيح من الضعيف، فإذا قاموا بهذا الأمر عمل الفقهاء من بعدهم في المتون واستنبطوا منها الأحكام.
وعمل أهل البلاغة واللغة في المتون ليستخرجوا جواهر البلاغة من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.
علماء الحديث بالمرصاد للزنادقة
لقد كان علماء الحديث هم الحصانة القوية للسنة النبوية من هجمات الزنادقة الذين دخلوا الإسلام ليس إيمانا به وإنما من أجل أن يهدموه من داخله.
لقد كان هؤلاء الزنادقة يخترعون أحاديث من عند أنفسهم ثم ينسبونها للنبي -صلى الله عليه وسلم- يحرمون فيها الحلال ويحللون فيها الحرام، لكن الذين كانوا لهم بالمرصاد يبينون للناس كذبهم على النبي صلى الله عليه وسلم هم المحدثون.
وذكر الذهبي أن الرشيد أخذ زنديقا ليقتله، فقال: «أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ فقال الرشيد: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري، وابن المبارك يتخللانها، فيخرجانها حرفا حرفا».
وقيل لابن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة المصنوعة؟ فقال: “تعيش لها الجهابذة”.
لذلك نجد أن المحدثين كتبوا كتبا جمعوا فيها الصحيح من الأحاديث، وكتب جمعوا فيها الضعيف والموضوع من الأحاديث حتى يقف الناس على ما هو صحيح من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وما هو ضعيف وما هو موضع من وضع الزنادقة والكذابين.