كانت غزة الخندق أو الأحزاب في شهر شوال من العام الخامس من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد حاصر فيها المشركون المدينة شهرا.
بدء حصار المدينة في غزوة الأحزاب
حيث بدءوا فرض الحصار في شوال وانتهى في ذي القعدة، وكانت غزوة الأحزاب نهاية الحروب الدفاعية التي كان المشركون يأتون فيها إلى المدينة،
وفي هذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أجلى الأحزاب عنه: (الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم)
دور اليهود في غزوة الأحزاب
لم ينس اليهود مرارة الذل والهوان الذي ذاقوه بسبب غدرهم وخيانتهم في غزوة بني قينقاع وغزوة بني النضير، فبدءوا في التآمر على النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين،
فخرج عشرون رجلا من زعمائهم إلى قريش بمكة يحرضونهم على غزو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنهم سيكونون موالين لهم فاستجابوا لمشورتهم،
ثم خرج هؤلاء اليهود إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فاستجابوا لهم، وطافوا في قبائل العرب فاستجاب جميعهم لهم، واستطاع اليهود بذلك تأليب قبائل العرب على النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين في المدينة.
خروج قريش وحلفاؤهم في غزوة الخندق
على إثر تحريض هؤلاء اليهود لقريش والعرب خرجوا جميعا يقودهم أبو سفيان في أربعة آلاف، ومعهم بنو فزارة وبنو مرة وبنو أشجع، واتجهوا جميعا جهة المدينة فتجمعوا حول المدينة في جيش كبير بلغ عدده عشرة آلاف مقاتل.
موقف النبي وأصحابه في غزوة الخندق
من قيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- الحكيمة أنه كانت له مخابراته الخاصة التي تأتيه بالأخبار في حينها، لذلك علم بما عزموا عليه من بداية الأمر،
فجمع الصحابة واستشارهم في هذا الأمر، وبعد مناقشات اتفقوا على اقتراح قدمه الصحابي الجليل سلمان الفارسي –رضي الله عنه- حيث قال: يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا.
وهذا الأمر لم يكن يعرفه العرب من قبل، فأسرع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى تنفيذ هذه الخطة، فأمر كل عشرة رجال بأن يحفروا أربعين ذراعا، واجتهد المسلمون في تنفيذ هذا الأمر بالرغم مما هم فيه من مشقة وجهد، لكنهم أدوا ذلك بحب وإخلاص لدينهم ونبيهم.
عن أنس -رضي الله عنه- قال: كانت الأنصار يوم الخندق تقول: نحن الذين بايعوا محمدا … على الجهاد ما حيينا أبدا. ، فأجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخره … فأكرم الأنصار والمهاجره).
مشاركة النبي في حفر الخندق
لم يرض النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقف مشرفا على العمل وإنما عمل كواحد منهم، عن البراء -رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب ينقل التراب وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول:
(لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فأنزلن سكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، إن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا)
ولم يكن المسلمون وقت حفر الخندق في رغد من العيش وإنما كانوا في جدب ومع ذلك لم يمنعهم هذا من بذل كل جهدهم من أجل إنجاز هذا الأمر، قال أنس -رضي الله عنه- وهو يصف حال أهل الخندق أنهم كانوا:
(يؤتون بملء كفي من الشعير، فيصنع لهم بإهالة سنخة، توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق، ولها ريح منتن)
والمعنى: أنهم كانوا يصنع لهم الشعير بالشحم والزيت أو الدهن الذي يكون على اللحم، وهو متغير الرائحة فاسد الطعم، وكريهة الريح، فيأكلونه؛ لأنهم لا يجدون غيره.
معجزات حدث أثناء حفر الخندق
أثناء حفر الخندق حدثت آيات وعلامات تدل على نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- منها ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال:
إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاءوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: (أنا نازل) ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا،
فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- المعول فضرب فعاد كثيبا أهيل أو أهيم. فقلت: يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟
قالت: عندي شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي -صلى الله عليه وسلم- والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان قال: (كم هو) فذكرت له، قال: (كثير طيب)
قال: قل لها: (لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال: قوموا) فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمهاجرين والأنصار ومن معهم قالت: هل سألك؟ قلت: نعم.
فقال: (ادخلوا ولا تضاغطوا) فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز، ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال: (كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة).
وصف حدود المدينة
كانت المدينة تحيط بها الحَرَّات والجبال وبساتين من النخيل من كل جانب سوى الشَّمال، والحَرَّات: هي أرض ذات حجارة بركانية سوداء تجعل هذه المواضع شديدة الحرارة في الصيف ولا يستطيع جيش أن يسير بها؛
لذلك كانت الجهة التي أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بحفر الخندق فيها جهة الشمال وهي الجهة التي يسهل على العدو أن يدخل المدينة منها، وواصل المسلمون العمل في الخندق حتى اكتمل قبل وصول أحزاب الكفر إلى المدينة.
موقف المؤمنين والمنافقين من تجمع الأحزاب
كان رد الفعل أمام تجمع المشركين حول المدينة مختلفا فالمؤمنون لما شاهداو تجمع الأحزاب حول المدينة لم يزدهم هذا إلا إيمانا ويقينا حيث قالوا ما ذكره القرآن عنهم: (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً).
وأما المنافقون وضعفاء الإيمان فقد تزعزعت قلوبهم عند رؤيتهم للأحزاب وقل إيمانهم وظهر ما تضمره قلوبهم، فقال الله واصفا حالهم: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً).
المسلمون في مواجهة المشركين
خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة آلاف لمواجهة المشركين، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وأمر النساء والأطفال بأن يكونوا في آطام المدينة،
ولما رأى المشركون الخندق اختلت موازينهم؛ لأنهم وجدوا شيئا لم يعهدوه من قبل، فوقفوا محاصرين حول الخندق، وأخذوا يتحسسون موضعا لينفدوا منه إلى المدينة،
فخرج عمرو بن ود وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب وغيرهم فوجدوا مكانا ضيقا من الخندق فاقتحموه، فخرج عليهم علي بن أبي طالب فنازل عمرو بن ود فقتله،
وانهزم الباقون أمام المسلمين وفروا هاربين، وظل المسلمون مرابطين على الخندق، وكان الجيشان يتراشقان بالنبال من وراء الخندق حتى قتل رجال من الجيشين، وفي هذه المراماة رمي سعد بن معاذ بسهم قطع منه الأكحل.
دور يهود بني قريظة في هذه الغزوة
اليهود الذين كانوا سببا في تأليب أحزاب الكفر من المشركين على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه انطلق زعيمهم حيي بن أخطب إلى زعيم يهود بني قريظة كعب بن أسد فضرب عليه الباب فأغلق كعب الباب في وجهه فما زال يكلمه حتى فتح له،
فقال حيي: جئتك يا كعب بعز الدهر وببحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها… قد عاهدوني وعاقدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه.
فقال له كعب: جئتني والله بذل الدهر. -وكان بين كعب والنبي -صلى الله عليه وسلم- معاهدة على أن ينصره إذا أصابته حرب-
فقال كعب لحيي: فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء. فلم يزل حيي به حتى نقض كعب عهده مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعلنوا الحرب، وكان يهود بني قريظة يسكنون في جنوب المدينة فصار المسلمون بين عدو من أماهم في جهة الشمال وعدو من خلفهم في جهة الجنوب.
موقف النبي من خيانة بني قريظة
لما وصل خبر نقض يهود بني قريظة عهدهم أراد رسول الله أن يتحقق من الأمر فبعث سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومعهم غيرهم وقال:
(انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس)
فلما دنوا منهم وجدوهم على أخبث ما يكون، فقد جاهروهم بالسب والعداوة، ونالوا من رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد، ولا عقد.
فانصرفوا عنهم، فلما أقبلوا على رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- لحنوا له وقالوا: عضل وقارة، أي أنهم على غدر كغدر عضل وقارة بأصحاب الرجيع.
فتقنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثوبه حين علم بغدر اليهود فنهض يقول: (الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره) ثم أخذ يخطط لمجابهة الظرف الراهن.
موقف المسلمين بعد علمهم بخيانة يهود بني قريظة
لما علم المسلمون بخيانة يهود بني قريظة ووجدوا أنفسهم أمام جيش جرار من أمامهم وخيانة اليهود من خلفهم تزلزلت الأرض من تحت أقدامهم وبلغت قلوبهم الحناجر،
وكان هذا الموقف من أحرج المواقف التي وقفها المسلمون، لكنهم بالرغم من شدة الخوف وقفوا ثابتين على أحد موقفين: إما نصر أو موت في سبيل الله، لقد وصف القرآن حالة المسلمين وصفا بليغا فقال الله:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)
موقف المنافقين في غزوة الخندق
أظهر المنافقون مكنون صدورهم لما أيقنوا بالموت والهلاك حتى قال قائلهم: كان محمدا يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط. وقال آخرون: إن بيوتنا عورة من العدو فأذن لنا يا رسول الله أن نخرج فنرجع إلى دارنا، فإنها خارج المدينة.
وحالهم هذه قد وصفها القرآن لنا فقال الله: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا)
عرض قدمه رسول الله للأنصار
لما اشتد البلاء أراد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يخفف من شدته بانصراف بعض أحزاب المشركين عن المدينة حتى تخف المواجهة فعرض على سعد بن معاذ وسعد بن عبادة أن يصالح عيينة بن حصن والحارث بن عوف رئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة حتى ينصرفوا عن المدينة.
فقالا: يا رسول الله إن كان الله أمرك بهذا فسمعا وطاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قِرى أو بيعا، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له، وأعزنا بك نعطيهم أموالنا! والله لا نعطيهم إلا السيف.
فصوّب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رأيهما وقال: (إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة)
وما النصر إلا من عند الله
إن الله -عز وجل- اختبر عباده وأظهر ما قلوبهم فأما المؤمنون فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأما المنافقون فقد أظهر الله مكنون صدورهم للنبي –صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين معه،
فكان النصر من عند الله وصنع الله أمرا لم يخطر للمسلمين على بال ولم يرد بالحسبان وهو أن نعيم بن مسعود جاء إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني ما شئت.
فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: (إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة)
فذهب نعيم بن مسعود من فوره إلى بني قريظة فدخل عليهم وقال: قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت. قال: فإن قريشا ليسوا مثلكم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره،
وإن قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمدا فانتقم منكم، قالوا: فما العمل يا نعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن. قالوا: لقد أشرت بالرأي.
ثم مضى نعيم إلى قريش وقال لهم: تعلمون ودي لكم ونصحي إياكم؟ قالوا: نعم قال: إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أن يأخذوا منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم، ثم ذهب إلى غطفان، فقال لهم مثل ذلك.
الخلاف بين المشركين واليهود في غزوة الخندق
فلما كان ليلة السبت من شوال سنة 5 هـ بعثوا إلى اليهود وقالوا: إنا لسنا بأرض مقام وقد هلك الكراع والخف، فانهضوا بنا حتى نناجز محمدا.
فأرسل إليهم اليهود أن اليوم هو يوم السبت، وقد علمتم ما أصاب من قَبْلَنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن، فلما جاءتهم رسلهم بذلك قالت قريش وغطفان:
صدقكم والله نعيم، فبعثوا إلى اليهود: إنا والله لا نرسل إليكم أحدا، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدا فقال بنو قريظة: صدقكم والله نعيم، فتخاذل الفريقان، ودبت الفرقة بين صفوفهم، وخارت عزائمهم.
وأرسل الله عليهم جندا من الريح فجعلت تكفأ قدورهم وتخلع خيامهم، وأرسل جندا من الملائكة يزلزلونهم ويلقون الرعب في قلوبهم.
وأرسل رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- في تلك الليلة الباردة القارسة حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبر القوم من المشركين، فوجدهم على هذه الحال، وقد تهيئوا للرحيل، فرجع إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- فأخبره برحيل القوم.
فأصبح رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- وقد رد الله عدوه بغيظهم لم ينالوا خيرا، وكفاه الله قتالهم، فصدق الله وعده وأعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فرجع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معه إلى المدينة، وأنزل الله تعالى قوله: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا).