تعرف على نهر النيل بمصر وما ورد فيه من الفضائل
نهر النيل هو من أجل نعم الله التي أنعم بها على أهل مصر، حيث يشقها نصفين ناشرا الحياة على ضفافه، فبه حياة الإنسان والحيوان والزروع، وهو مصدر ثروة مصر ورخائها.
ذكر نهر النيل في القرآن
لقد ورد ذكر نهر النيل في القرآن في أكثر من موضع فذكره الله عندما أمر أم موسى بأن ترضعه وتلقيه في اليم في تابوت إذا خافت عليه من جنود فرعون فقال الله:
(إِذۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰٓ * أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ)
واليم هنا في الآية هو نهر النيل، ورد في تفسير الطبري: عن ابن إسحاق، قال: لما ولدت موسى أمه أرضعته، حتى إذا أمر فرعون بقتل الولدان من سنته تلك عمدت إليه، فصنعت به ما أمرها الله تعالى،
جعلته في تابوت صغير، ومهدت له فيه، ثم عمدت إلى النيل فقذفته فيه، وأصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كلّ غداة،
فبينا هو جالس، إذ مرّ النيل بالتابوت فقذف به وآسية ابنة مُزَاحم امرأته جالسة إلى جنبه، فقال:
إن هذا لشيء في البحر، فأتوني به، فخرج إليه أعوانه حتى جاءوا به، ففتح التابوت فإذا فيه صبيّ في مهده، فألقى الله عليه محبته، وعطف عليه نفسه.
وعنى جلّ ثناؤه بقوله: (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) فرعون هو العدوّ، كان لله ولموسى.
سوق النيل لمصر
امتن الله على عباده بسوق النيل لمصر وسوق غيره لأهل البلاد الأخرى من الأماكن البعيدة محملا بالماء الطين الذي يكون سببا في إخراج الأرض النيات.
قال الله: (أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ).
قال ابن كثير في تفسيره: “وليس المراد من قوله: (إلى الأرض الجرز) أرض مصر فقط، بل هي بعض المقصود، وإن مثل بها كثير من المفسرين فليست هي المقصودة وحدها.
ولكنها مرادة قطعا من هذه الآية، فإنها في نفسها أرض رخوة غليظة تحتاج من الماء ما لو نزل عليها مطرا لتهدمت أبنيتها،
فيسوق الله إليها النيل بما يتحمله من الزيادة الحاصلة من أمطار بلاد الحبشة، وفيه طين أحمر، فيغشى أرض مصر، وهي أرض سبخة مرملة محتاجة إلى ذلك الماء، وذلك الطين أيضا لينبت الزرع فيه،
فيستغلون كل سنة على ماء جديد ممطور في غير بلادهم، وطين جديد من غير أرضهم، فسبحان الحكيم الكريم المنان المحمود ابتداء”.
ما ورد في فضل نهر النيل
ورد في ذكر فضائل نهر النيل أحاديث تبين أنه من أنهار الجنة فيما رواه البخاري في صحيحه من حديث مالك بن صعصعة في ليلة الإسراء والمعراج فقال:
(… فأتينا السماء السابعة، قيل: من هذا، قيل: جبريل، قيل: من معك، قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه، مرحبا به ونعم المجيء جاء،
فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من ابن ونبي، فرفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم،
ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنه قلال هجر، وورقها كأنه آذان الفيول، في أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسألت جبريل، فقال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران النيل والفرات..)البخاري
قال القرطبي: “ما يدلّ على أنّ النيل والفرات ظاهران خارجان من الجنّة. ويمكن أن يجمع بينهما؛ أنّ النيل والفرات لمّا كانا مشاركين لنهري الجنّة في أصل السدرة، أُطلِقَ عليهما أنّهما من الجنّة.
وسيحان وجيحان يمكن أن يكونا تفرَّعا من النيل والفرات؛ لقرب انفجارهما من الأصل. وقيل: إنّ ذلك إنّما أُطلِق تشبيهًا لهذه الأنهار بأنهار الجنّة؛ لما فيها من شدّة عذوبتها وحسنها وبركتها”.
وصف عمرو بن العاص لمصر
ورد في كتاب فضائل مصر المحروسة: وذكر ابن عُفَير، أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص:
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص. سلام عليك؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد،
فإني فكرت في بلدك فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة، قد أعطى الله أهلها عددًا وجلدًا وقوة في بر وبحر، قد عالجتها الفراعنة، وعملوا فيها عملا محكمًا، مع شدة عتوهم، فعجبت من ذلك، فأحب أن تكتب إلى بصفة مصر كأني أنظر إليها.
فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد،
فقد بلغني كتابك وقرأته وفهمته، وأما ما ذكرت فيه من صفة مصر، فإن كتابي سيكشف عنك عمى الخبر، ويرمى على بالك بنافذ البصر،
إن مصر وما أحببت أن تعلمه من صفتها، تربة سوداء، وشجرة خضراء بين جبل أغبر ورمل أعفر، قد اكتنفها معدن رفقها، ومحط رزقها، ما بين أسوان، إلى منشأ البحر، في سح النهر، مسيرة الراكب شهرًا،
كأن ما بين جبلها ورملها بطن أقب، وظهر أجب، يخط فيه نهر مبارك الغدوات، ميمون البركات، يسيل بالذهب، ويجري بالزيادة والنقصان كمجاري الشمس والقمر، له أيام تسيل إليه عيون الأرض وينابيعها مأمورة بذلك…
نهر النيل أطول الأنهار
قال أهل العلم ليس في الدنيا نهر أطول من نهر النيل، فيبلغ طوله 6650 كيلو مترا تقريبا ويطلق عليه اسم أبو الأنهار الأفريقية،
يسير سيرة شهر في بلاد الإِسلام، وشهرين في بلاد النوبة، وأربعة أشهر في الخراب حيث لا عمارة، إلى أن يخرج من جبل القمر خلف خط الاستواء.
نهر النيل يمتد من الجنوب للشمال
يتكون نهر النيل من رافدين رئيسيين يلتقيان معا ليشكلان نهر النيل وهما النيل الأبيض الذي يبدأ من جنوب السودان،
والنيل الأزرق الذي يبدأ في أثيوبيا، ويصب في البحر الأبيض المتوسط، فليس نهر يصب في بحر الروم والصين غير نيل مصر،
وليس في الدنيا نهر يزيد ويمد في أشد ما يكون من الحر حين تنقص أنهار الدنيا وعيونها غير نيل مصر، وكلما زاد الحر كان أقوى لزيادته، وليس في الدنيا نهر يزيد بترتيب غير نيل مصر.
كثرة الخير في مصر بسبب النيل
ليس هناك نهر يزرع على جانبيه من الخيرات مثل ما يزرع على جانبي نهر النيل، ولا يجمع منه من الخراج مثل ما يجمع من خراج نهر النيل.
قال سعيد بن عُفَير: كنت بحضرة المأمون بمصر حين قال وهو في قبة الهواء: لعن الله فرعون حين يقول: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي)
فلو رأى العراق! فقلت: يا أمير المؤمنين لا تقل هذا، فإن الله عز وجل يقول: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ).
فما ظنك يا أمير المؤمنين بشيء دمره الله هذا بقيته؟ فقال: ما قَصَّرت يا سعيد. فقلت: يا أمير المؤمنين لقد بلغنا أن أرضاً لم تكن أعظم من أرض مصر، وجميع أهل الأرض يحتاجون إليها.
وكانت الأنهار بقناطر وجسور بتقدير، حتى إن الماء يجرى تحت منازلها وأفنيتها فيحبسونه كيف شاءوا، ويرسلونه كيف شاءوا.
وكانت البساتين بحافتي النيل من أوله إلى آخره، في الجانبين جميعا ما بين أسوان إلى رشيد إلى الشام لا تنقطع.
وكانت المرأة تخرج غير مختمرة، لا تحتاج إلى خمار، لكثرة الشجر ولقد كانت الأمة تضع المكتل على رأسها فيمتلئ مما يسقط من الشجر.
وقال عبد الله بن عمرو عن نهر النيل: “النيل سيد الأنهار”
عروس النيل
قال قيس بن الحجاج: لما فتح عمرو بن العاص مصر وجاء وقت زيادة النيل تأخرت زيادة النيل.
فقال قبط مصر: للنيل عادة، نأخذ بنتاً بكراً فنرضي أباها ثم نحليها ونقذفها فيه فيزيد. فقال لهم عمرو:
الإسلام يجب ما قبله. ثم دخل شهر مسرى ولم يزد، فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه، فكتب إليه يستصوب رأيه، وأنفذ إليه بطاقة:
إن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك، فأسأل الله الواحد القهار أن يجريك، وألقيت فيه، فزاد في ليلة ست عشرة ذراعا.