تعرف على موقف المشركين من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم
كان هؤلاء المشركون من العرب يعرفون مولد النبي ونسبه ونشأته ولم يجدوا عليه مغمزا في خلق ولا سلوك ومع ذلك رفضوا دعوته.
رأي المشركين في النبي قبل البعثة
كان المشركون قبل البعثة يرون أن رسول الله من أفضلهم خلقا وأكثرهم حكمة وعقلا حتى إن شيوخ قريش كانوا يقدرون ذلك فيه، فكانوا ينعتونه بالصادق الأمين.
فخديجة -رضي الله عنها- لما سمعت عن أمانة النبي وما هو عليه من الخلق القويم أرسلته بقافلة تجارية لها ليتاجر لها.
ولما هدم المشركون البيت الحرام بسبب سيل زلزل البيت الحرام واتفقوا على ألا يضعوا فيه إلا مالا حلالا، فلما فرغوا من بناء البيت اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في موضعه.
حتى كادت القبائل أن تقتتل حتى كانت القبيلة تغمس يدها في الماء عازمين على ألا ينال هذا الشرف أحد غيرهم حتى ولو وصل الأمر للدماء.
حتى قائل قائل منهم لنحكِّم أول داخل علينا البيت الحرام، واتفقوا على ذلك فكان أول داخل عليهم هو رسول الله.
وكان ذلك قبل أن يبعث بالنبوة فقالوا جميعا: رضينا بالصادق الأمين حكما بيننا، وأمر رسول الله بوضع فراش يوضع عليه الحجر وتأخذ كل قبيلة بطرف الرداء ثم رفعوه فأخذه رسول الله ووضعه في موضعه فنال هو شرف وضع الحجر في موضعه.
مما سبق يتبين لنا ان رسول الله كان معروفا بينهم بصدقه وشرفه وأمانته.
المشركون يجحدون بآيات الله
لم يكن كفر المشركين بما جاء به رسول الله بسبب شكهم في صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- من عدم صدقه وإنما الذي حملهم على الكفر هو جحودهم وإنكارهم لآيات الله قال الله:
(قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ).
اعتراف المشركين بصدق النبي
لم يتهم المشركون رسول الله يوما بالكذب قبل أن يبلغهم رسالة الله وإنما تجرؤوا واتهموه بالكذب لما أتاهم بالوحي الذي أوحاه الله إليه.
لذلك نجد أن رسول الله لما أراد أن يبلغهم الوحي أراد أن يستوثق أولا من نظرتهم له ورأيهم فيه فلما أخبروه بأنهم لا يشكون في صدقه فلما أخبرهم بالوحي كذبوه.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- الصفا ذات يوم، فقال: (يا صباحاه).
فاجتمعت إليه قريش، قالوا: ما لك؟ قال: (أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم، أما كنتم تصدقونني).
قالوا: بلى، قال: (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) فقال أبو لهب: تبا لك، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله: (تبت يدا أبي لهب)[البخاري]
موقف أبو لهب من دعوة النبي
أبو لهب هو عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أعرف الناس لكنه ناصب رسول الله أشد العداء فكان يتبعه في مواسم الحج يكذبه وينفر الناس عنه.
وكان قد خطب لولديه عتبة وعتيبة ابنتي النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة فلما بعث بالرسالة أمر ولديه فطلقوا ابنتي رسول الله.
وكانت زوجه أم جميل لا تقل بشاعة عن زوجها أبي لهب في إيذائها لرسول الله فكانت تضع الشوك في طريقه، حتى أنزل الله فيها وفي زوجها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة فقال الله:
(تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ سَيَصۡلَىٰ نَارٗا ذَاتَ لَهَبٖ وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ).
أهل مكة يفعلون المتناقضات
بالرغم من أن أهل مكة كانوا يناصبون رسول الله العداء ويكذبون رسالته ويردون عليه دعوته ويتعرضون له بالإيذاء ولأصحابه الذين آمنوا به إلا أنهم كانوا في نفس الوقت يفعلون الشيء الذي يناقض فعلهم.
فكانوا يأتمنونه على ودائعهم ويحفظون أماناتهم عنده، لذلك لما أخذ رسول الله قرار الهجرة ترك في فراشه علي بن أبي طالب وطلب منه أن يبقى بعده ليرد الودائع لأصحابها من أهل مكة.
التشويش على القرآن
كان المشركون يؤمنون بأن هذا القرآن ليس من كلام البشر ولا يستطيعه أحد من البشر، ومع ذلك كانوا يأمرون من حولهم بألا يسمعوا لهذا القرآن وأن يشوشوا عليه إذا سمعوه لأنهم يدركون قوة تأثيره في النفوس.
فقال الله وهو يحكي حالهم: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسۡمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡاْ فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ).
المشركون يستمعون للقرآن
بالرغم من أن كبار هؤلاء المشركين كانوا ينهون أصحابهم عن سماع القرآن ويأمرونهم بأن يشوشوا عليه، إلا أنهم كانوا يذهبون ليلا ليسمعوا القرآن من النبي لأن جمال لفظه ونظمه قد أسرهم.
روى ابن إسحاق في سيرته عن الزهري قال: حدّثت: أن أبا جهل، وأبا سفيان، والأخنس بن شريق، خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل منهم مجلسا، فيستمع منه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه،
فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو راكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا.
حتى إذا كان الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة، ثم انصرفوا!!
حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد ألانعود، فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا!!
فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال:
يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها، ولا ما يراد بها.
فقال الأخنس: أنا والذي حلفت به كذلك!! ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال:
يا أبا الحكم، فما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف:
أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الرّكب وكنّا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ فو الله لا نؤمن به أبدا، ولا نصدقه!!
وهذا يدل على استلذاذ العرب للاستماع للقرآن استجابة لفطرتهم العربية، وعلى ما كان للعصبية الجاهلية من أثر في عدم الإيمان بالنبي صلّى الله عليه وسلّم.[السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة]
للاطلاع على المزيد: