إقامة الحدود في الإسلام
إقامة الحدود في الإسلام من أواخر التشريعات التي شرعت في المدينة بعد أن استقر أمر الإسلام وعرف الناس دينهم.
درء الحدود بالشبهات
الإسلام ليس حريصا على إقامة الحدود على الناس بقطع أيديهم أو جلدهم وإنما الإسلام حريص على منع انتشار الفواحش وإحقاق الحق، لذا كان منهج الإسلام هو در الحدود بالشبهات التي تمنع إقامة الحد.
من أجل ذلك شجع الإسلام المسلم على ستر أخيه المسلم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة)[ابن ماجه]
لكن من يجاهر بالمعصية ويتجرأ على فعلها فمثل هذا ينبغي أن يطبق عليه العقاب حتى يكون رادعا له ولأمثاله.
التحري قبل إقامة الحد
الإسلام يبحث عن إيجاد الحلول لعدم إقامة الحد بل يدرء الحدود بما استطاع من الشبهات، فإذا ثبت الأمر أقام الحد.
عن بريدة بن الحصيب قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال: (ويحك! ارجع فاستغفر الله وتب إليه). قال: فرجع غير بعيد ثم جاء،
فقال: يا رسول الله، طهرني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ويحك! ارجع فاستغفر الله وتب إليه). قال: فرجع غير بعيد ثم جاء، فقال: يا رسول الله، طهرني،
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله: فيم أطهرك؟ فقال: من الزنى، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أبه جنون؟) فأخبر أنه ليس بمجنون،
فقال: (أشرب خمرا؟) فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد منه ريح خمر، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أزنيت؟) فقال: نعم، فأمر به فرجم،
فكان الناس فيه فرقتين، قائل يقول: لقد هلك، لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز، أنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة،
قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم جلوس فسلم ثم جلس فقال:
(استغفروا لماعز بن مالك). قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم).
قال: ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله، طهرني، فقال: (ويحك! ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه).
فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك، قال: (وما ذاك؟)
قالت: إنها حبلى من الزنى، فقال: (آنت؟) قالت: نعم، فقال لها: (حتى تضعي ما في بطنك). قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت،
قال: فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: (إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا، ليس له من يرضعه).
فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله، قال: فرجمها.[مسلم]
ما يستفاد من حديث ماعز والغامدية
قال ابن بطال: “وإنما معناه أبك جنون فى غير هذا الوقت، فيكون قولك: إنك قد زنيت فى وقت ذلك الجنون، وإنما طلب شبهة يدرأ عنه الحد بها؛ لأن المجنون إنما يحمل أمره على فقد العقل وفساد المقاصد فى وقت جنونه”.
وقال: “فدل قوله هذا أنه لو اعترف بالجنون لدرأ الحد عنه، وإلا فلا فائدة لسؤاله هل بك جنون أم لا؟
وأجمعوا أنه إن أصاب رجل حدا وهو صحيح ثم جن بعد ذلك، أنه لا يؤخذ منه الحد حتى يفيق.
وأجمعو أن من وجب عليه حد غير الرجم وهو مريض لا يرجى برؤه فإنه ينتظر به حتى يبرأ فيقام عليه الحد، فأما الرجم فلا ينتظر به لأنه إنما يراد به التلف فلا وجه للاستئناء به، والله أعلم”.