ما هي فضائل الصدقة الجارية؟

من فضائل الأعمال الصالحة، ومن اعظم السبل لنيل الخيرات، الصدقات الجارية، وهي الحسنات التي يستمر ثوابها بعد الموت.

التجارة الرابحة

في الوقت الذي يكون المسلم فيه في أشد الحاجة للحسنات، تكون الصدقات الجارية هي المصدر الذي يزيد من رصيد حسناته، وهي التجارة الرابحة التي بها يسعد المسلم في حياته، وبعد مماته، وفي آخرته.

ثواب الصدقة الجارية

ثواب الصدقة الجارية لا يعلمه إلا الله، فهو يضاعف لمن يشاء، فلو أن شخصا حفر بئرا عذبة وجعلها صدقة جارية، فكم من الأجر يكون له،

وكم من ذي كبد رطبة من البشر والحيوانات يشرب من مائها، ولو أن شخصا وقف مسجدا فكم من الأجر في صلاة المصلين به، وهكذا في سائر أنواع الصدقات الجارية، وهي كثيرة كما سيأتي.

المقصود بالصدقة الجارية

المقصود بها كل ما أخرجه المسلم من مال لله سبحانه وتعالى، فينتفع بها مخلوقات الله، سواء كان إنسانا أو حيوانا، فهذا أجره عظيم عند الله، وهي تشمل كل أنواع الخير الذي يصل نفعه إلى الآخرين.

ولقد حث الشرع المطهر على فعل الخيرات والطاعات، وأمر المسلم أن يجعل دنياه مزرعة لآخرته، وأوضح له أن من الأعمال ما يمتد أجرها ويستمر للعبد بعد موته، ومنها الصدقة الجارية.

فضل الصدقة

قال الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة: 276]، وقال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 261].

والصدقة دليل على صدق الإيمان بالله واليوم الآخر؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَالصَّدَقَةُ ‌بُرْهَانٌ)[رواه مسلم].

وهي من اعظم مكفرات الذنوب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ ‌كَمَا ‌يُطْفِئُ ‌المَاءُ ‌النَّارَ)[رواه الترمذي، وصححه الألباني].

وصاحبها تحت ظل الله يوم لا ظل إلا ظله؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ امْرِئٍ ‌فِي ‌ظِلِّ ‌صَدَقَتِهِ ‌حَتَّى ‌يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ)[رواه أحمد، وإسناده صحيح].

ثلاثة أصناف يبقى عملهم جاريا

ثلاثة أصناف مـن الناس، يبقى عملهـم جـاريـا، يتوسـدون التراب، ويتضاعـف لهـم الأجــر والثواب، عملوا حال حياتهم، فظل لهم أجرهم بعـد ممـاتهم.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسـول الله -صلى الله عليه وسلـم- قـال: (إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)[رواه مسلم].

في هذا الحديث يبين النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله في الدنيا، فلا يصل إليه أجر وثواب من شيء من عمله، إلا إن ترك ثلاثة أشياء؛ فإن ثوابها وفائدتها لا تنقطع عنه:

الصدقات الجارية المنصوص عليها في السنة

وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وجـوهـا للصـدقة الجـارية، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِنَّ ‌مِمَّا ‌يَلْحَقُ ‌الْمُؤْمِنَ ‌مِنْ ‌عَمَلِهِ ‌وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ)[رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني].

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌سَبْعٌ ‌يَجْرِي ‌لِلْعَبْدِ ‌أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، وهُو فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ)[رواه البزار، وحسنه الألباني].

إذا مجمل ما ورد نصا أنه صدقة جارية:

الصدقات الجارية غير المنصوص عليها في السنة

بدائل الصدقة الجارية لمن عجز عنها

تصحيح النية

لو عجز المـرء عن المشاركة في الصدقة الجارية؛ فليصحح نيته، وليصدق مـع الله تعالى، لينال أجـر مـن أنفق في سبيل الله تعالى؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا ‌الدُّنْيَا ‌لِأَرْبَعَةِ ‌نَفَرٍ:

عَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ.

عَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا؟ فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ.

عَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ.

عَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالًا، وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، قَالَ: هِيَ نِيَّتُهُ، فَوِزْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ. [رواه أحمد، وهو حديث حسن].

فضل الله يؤتيه من يشاء

بعض الناس يظن أن الصدقة هي الصدقة المالية فقط، ولكن الحقيقة أن الصدقة أنواع كثيرة جدا، فعن ‌أبي ذر، رضي الله عنه قال: (أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ‌ذَهَبَ ‌أَهْلُ ‌الدُّثُورِ ‌بِالْأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ.

قَالَ: أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ، إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ.

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟

قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا)[رواه مسلم].

كان الصحابة رضي الله عنهم لشدة حرصهم على الأعمال الصالحة، يحزنون على ما يتعذر عليهم فعله من الخير مما يقدر عليه غيرهم،

فكان الفقراء يحزنون على فوات الصدقة بالأموال، أو التخلف عن الخروج في الجهاد؛ لعدم القدرة عليه، فدلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على صدقات يقدرون عليها،

ولما رجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

Exit mobile version