ما هي الباقيات الصالحات؟
يجب على المؤمن أن يتزود من الأعمال الصالحات، وينبغي أن يدرك أن كل شيء في هذه الدنيا زائل، ولا يبقى إلا عبادة الله جل وعلا وطاعته وذكره سبحانه.
عمل الصالحات دأب الصالحين
لقد فطن عباد الله المؤمنون الذين اختارهم الله جل وعلا لطاعته، فاختاروا المسير في طرق الطاعات والأعمال الصالحات.
الباقيات الصالحات في القرآن
وصف الباقيات الصالحات جاء في موضعين من القرآن الكريم:
الموضع الأول: في سورة الكهف، وهو قوله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف: 46].
الموضع الثاني: في سورة مريم: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) [مريم: 76].
معنى الباقيات الصالحات
الباقيات الصالحات هي تلك الكلمات المباركات التي ورد ذكرها في نصوص الكتاب الكريم، واستفاضت في ذكر فضلها ومنزلتها نصوص السنة النبوية المطهرة.
واختلف العلماء في المعنى المراد بقوله سبحانه: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ)، وتنوعت أقوالهم في الدلالة على هذا المعنى: وأقوال العلماء في الباقيات الصالحات كلها راجعة إلى شيء واحد، وهو الأعمال التي ترضي الله جل وعلا؛ فمنهم من قال أنها:
- الصلوات الخمس.
- قول العبد: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
- قول العبد: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
- قول العبد: الله أكبر وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله
- قول العبد: لا إله الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله
- أنها لفظ عام يشمل الأعمال التي ترضي الله تعالى؛ لأنها باقية لصاحبها.
- أنها الكلام الطيب.
- كل ما أريد به وجه الله.
- النيات الصالحة، فإن بها تقبل الأعمال وترفع.
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: أخبر تعالى أن المال والبنين، زينة الحياة الدنيا، أي: ليس وراء ذلك شيء، وأن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره، الباقيات الصالحات، وهذا يشمل:
- (أ) جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله وحقوق عباده؛ من صلاة، وزكاة، وصدقة، وحج، وعمرة، وتسبيح، وتهليل، وتحميد، وقراءة.
- (ب) طلب العلم النافع.
- (ج) الأمر بمعروف، ونهي عن منكر.
- (د) صلة رحم، وبر والدين.
- (هـ) القيام بحق الزوجات والمماليك والبهائم، وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق.
- كل هذا من الباقيات الصالحات، فهذه خير عند الله ثوابا وخير أملا، فثوابها يبقى ويتضاعف على الآباد، ويؤمل أجرها وبرها ونفعها عند الحاجة، فهذه التي ينبغي أن يتنافس بها المتنافسون، ويستبق إليها العاملون، ويجد في تحصيلها المجتهدون،
وتأمل كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحالها واضمحلالها ذكر أن الذي فيها نوعان: نوع من زينتها، يتمتع به قليلا ثم يزول بلا فائدة تعود لصاحبه، بل ربما لحقته مضرته وهو المال والبنون، ونوع يبقى وينفع صاحبه على الدوام، وهي الباقيات الصالحات. [تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، (ص479)].
الباقيات الصالحات خير من المال والبنون
ذكر الله سبحانه أن من أبرز زينة هذه الحياة هذين الأمرين الجليلين العظيمين: المال والبنون، وبدئ بالمال؛ لأن أكثر الناس متعلقين به تعلقا شديدا، فالإنسان مجبول على حب التملك؛ فبدئ بالمال؛
لأن النفوس تتجه إليه أكثر من الاتجاه إلى البنين؛ ذلك أن حب التملك وحب المال مستقر في نفوس الجميع صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا، شيوخا وشبابا.
فأخبر الله جل وعلا أن هاتين الزينتين العظيمتين في الدنيا وهما: المال والبنون خير منهما الباقيات الصالحات، وهذه الخيرية بالنظر إلى أن المال زائل، والبنون زائلون، والحياة الدنيا كلها زائلة، كما قال سبحانه:
(مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 96]،
فكل ما في هذه الحياة الدنيا فإنه زائل عن الإنسان لا محالة، أما الأعمال الصالحات، ووصفت هنا وقدم الوصف بالبقاء؛ لأنها هي التي تستمر مع الإنسان في هذه الحياة الدنيا ببركاتها وحسن عاقبتها في الآخرة.
الباقيات الصالحات أحب الكلام إلى الله
عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ)[رواه مسلم].
تفضل الله سبحانه على عباده بأمور من الأقوال والأذكار التي يعطي عليها أجرا عظيما بفضله وكرمه، فتكون رفعا للدرجات، وزيادة في الحسنات.
وقد فسر بعض السلف الصالح الباقيات الصالحات التي جاء التنويه بها والترغيب في الذكر بها في القرآن الكريم بهذه الكلمات الأربع.
وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “خير الكلام أربع”، أي: في فضلهن وثوابهن لمن التزمهن وتكلم بهن، “لا يضرك بأيهن بدأت”، أي: إن تقديمهن وتأخيرهن بعضهن على بعض لا ضرر فيه، وليس الترتيب بلازم.
الباقيات الصالحات وقاية من النار
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خُذُوا جُنَّتَكُمْ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ؟ قَالَ: (لَا، وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنَ النَّارِ قَوْلُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجَنِّبَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ)[رواه النسائي في الكبرى].
ذكر الله تعالى أن من أفضل الأعمال وأيسرها، التي تنجي صاحبها من النار، وتبقى له ذخرا وأجرا يوم القيامة، هي الباقيات الصالحات، ويبين النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أن يحترسوا ويأخذوا وقايتهم، من النار وذلك بأن يجعلوا بينهم وبين النار وقاية.
ثم فسر لهم النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الوقاية من النار؛ وذلك بقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإن هذه الكلمات، يأتين يوم القيامة يتقدمن صاحبها يوم القيامة، ومعقبات،
أي: هن كلمات يأتي بعضها عقب بعض، ومجنبات، أي: هي التي تكون في الميمنة والميسرة، فكأنهن جيش من جهة قائلهن تسترنه عن النار، وهن الباقيات الصالحات، أي: باقيات لصاحبها وصالحات لجزيل ثوابها في المعاد وحين الحاجة.
الباقيات الصالحات غراس الجنة
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يغرس غرسا، فقال: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟) قُلْتُ: غِرَاسًا لِي، قَالَ:
(أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا؟) قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ)[رواه ابن ماجه، وصححه الألباني].
في الحديث: بيان فضل ذكر الله بهذه الكلمات، وأن أجرهن يبقى في الآخرة، ويغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة، أي: بكل ذكر من تلك الأذكار،
فمن زاد في الذكر بهن زاد عدد شجره في الجنة حتى تكون له بساتين، وهي مشتملة على التنزيه والثناء والتوحيد والتعظيم لله سبحانه؛ فجمعت بذلك أعظم الصفات لله وأعظم الأسماء.
الباقيات الصالحات كفارة للخطايا
عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ غصنا فنفضه فلم ينتفض، ثم نفضه فلم ينتفض، ثم نفضه فانتفض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، تَنْفُضُ الْخَطَايَا كَمَا تَنْفُضُ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا)[رواه أحمد، وإسناده حسن].
شرح كلمات الباقيات الصالحات
سبحان الله
ومعناها: التنزيه الكامل لله تعالى عن كل نقص، ووصفه بالكمال التام الذي يليق بجلاله.
الحمد لله
ومعناها: الاعتراف بأن الله هو المستحق وحده لمعاني الشكر والثناء، وفيها التفويض والافتقار إلى الله عز وجل،
لا إله إلا الله
وهي كلمة التوحيد الخالصة التي تعني أنه لا معبود بحق إلا الله، وأنه وحده المستحق للعبادة دون ما سواه.
الله أكبر
فيها معنى العظمة لله، وأنه أعلى وأكبر من كل شيء.
لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ
أي: لا حركة ولا قوة إلا بمشيئة الله تعالى، وقيل: لا حول بنا على العمل بالطاعة إلا بالله، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلا بالله.