للغسل فوائد وفضائل تعود على المسلم بالخير والصلاح في دنياه وآخرته، فالغسل فيه التعبد لله، والطاعة لأوامره سبحانه وتعالى.
الغسل من أجل الصلاة
إذا أصاب المسلم جنابة فيلزمه إذا أراد الصلاة أن يغتسل من الجنابة للصلاة والطواف، وإذا أصاب المسلمة الحيض أو النفاس أو الجنابة فتغتسل للصلاة والطواف.
وبالغسل تحصل النظافة، وتزول النجاسات عن الجسم، فيصبح الإنسان طيب الرائحة، ويسلم جسمه من الأمراض، ويحصل النشاط للجسم فيكتسب القوة والحيوية ويذهب عنه الفتور والخمول والكسل.
المسلم لا ينجس
والمسلم لا ينجس مطلقا، لكن إذا أصابته الجنابة، أو أصاب الحيض أو النفاس المرأة، فيجب الغسل، وما سوى ذلك فالأصل في المسلم الطهارة.
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نَاوِلِينِي الخُمْرَةَ مِنَ المَسْجِدِ، قَالَتْ فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ)[أخرجه مسلم]،
وقد رفع الله عنا الإصر الذي كان على بني إسرائيل في ذلك؛ وذلك أن المرأة منهم كانت إذا حاضت أخروها عن البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها.
أولا: تعريف الغسل
الغسل: هو تعميم جميع البدن بالماء الطهور على وجه مخصوص، وهو من محاسن دين الإسلام، دين النظافة والطهارة.
والحدث الأكبر سواء كان جنابة، أو حيضا، أو نفاسا لا يطهر المسلم منه إلا بالغسل، وقد ذكروا أن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية، وهو من بقايا دين إبراهيم -عليه السلام- فيهم.
ثانيا: دليل مشروعية الغسل
والدليل على وجوبه قول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)[المائدة: 6]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)[النساء: 43].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ)[رواه البخاري].
فبين -صلى الله عليه وسلم- أنه حق على كل مسلم مكلف أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما، وهو يوم الجمعة، يغسل فيه رأسه وجسده، فالإنسان مأمور في أقصى توقيت له أن يغتسل بالماء كل سبعة أيام، وإنما خص الرأس بالذكر وإن كان الجسد يشمله؛ للاهتمام به.
ثالثا: أركان الغسل
- النية؛ لأنها هي التي تميز العبادات عن العادات.
- غسل جميع أعضاء الجسم.
رابعا: موجبات الغسل
خروج المني
يجب الغسل إذا خرج المني بشهوة من ذكر أو أنثى، في يقظة أو نوم والعبرة في ذلك خروج المني، فلو احتلم أي يرى أنه يجامع ولم يخرج المني فلا غسل عليه، أما إذا وجد منيا ولم يذكر أنه رأى شيئا في الحلم، وجب عليه الغسل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- علق الحكم على رؤية المني.
التقاء الختانين
إذا جامع الرجل المرأة فقد وجب الغسل عليهما، سواء أنزل أو لم ينزل، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)[رواه مسلم].
فإذا جلس الرجل من المرأة موضع الجماع ومس ختانه ختانها، والمراد تلاقي موضع القطع من الذكر، مع موضعه من فرج الأنثى، فإن الغسل قد وجب بذلك على الرجل وعلى المرأة، ولا يشترط الإنزال.
الموت
للموتى المسلمين حق التغسيل والتكفين والدفن، فعن أم عطية الأنصارية -رضي الله عنها- قالت: (دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ:
اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي. فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ)[متفق عليه].
في هذا الحديث تروي الصحابية أم عطية الأنصارية -رضي الله عنها-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليهن وهن يغسلن ابنته زينب -رضي الله عنها-، فأمر من يغسلنها أن يغسلنها وترا؛ ثلاثا أو خمسا أو سبعا.
والمقصود من ذلك: أن الغسل يكون وترا بعدد من المرات حتى يتم التنظيف الجيد؛ فإن تم بثلاث مرات فإنه يكفي، وإن كان لا يكفي زيد في عدد مرات التغسيل، وهكذا وترا حتى التنظيف التام.
الكافر إذا أسلم
فإذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بعض الذين أسلموا أن يغتسلوا، فعن قيس بن عاصم قال: (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) [رواه أبو داود وصححه الألباني].
انقطاع دم الحيض والنفاس
يجب على المرأة إذا طهرت من الحيض أو النفاس الغسل، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي)[متفق عليه].
وقال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة: 222].
خامسا: ما يستحب له الغسل
غسل الجمعة
غسل الجمعة سنة مؤكدة على كل مسلم تجب عليه صلاة الجمعة، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ)[متفق عليه].
ويبدأ وقت الغسل يوم الجمعة من طلوع فجر يوم الجمعة، ويمتد إلى قبيل أداء صلاة الجمعة، ويستحب تأخير الغسل إلى قبيل الرواح إلى صلاة الجمعة.
وغسل الجمعة كغسل الجنابة، لكن يحسن للمغتسل يوم الجمعة المبالغة في نظافة جسده، ويسن للرجل استعمال الطيب بعد الغسل.
غسل العيدين ويوم عرفة
عن زاذان قال: سأل رجل عليا -رضي الله عنه- عن الغسل فقال: (اغْتَسِلْ كُلَّ يَوْمٍ إِنْ شِئْتَ، فَقَالَ: الْغُسْلُ الَّذِي هُوَ الْغُسْلُ؟ قَالَ: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ الْفِطْرِ)[الشافعي في الأم والسنن وسنده صحيح].
الاغتسال للإحرام بالحج والعمرة
عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: أنه: (رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ)[رواه الترمذي وصححه الألباني]، وتجرد، أي: أزال وخلع عنه لبس المخيط؛ لإحرامه، ثم اغتسل لهذا الإحرام ولباسه، وهو الإزار والرداء.
الاغتسال لدخول مكة
عن نافع، «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إِلَّا بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ، وَيَغْتَسِلَ، ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا، وَيَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ» [متفق عليه].
في هذا الحديث يبين عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يتأسى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فكان إذا جاء مكة محرما بالحج، مكث وأقام، بذي طوى، حتى يطلع الصبح، فيغتسل وهو بذي طوى ثم يدخل مكة وقت النهار ولا يدخلها ليلا.
الاغتسال عند تعدد جماع الزوجة
عن أبي رافع، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ، يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا، قَالَ: (هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ)[رواه أبو داود، وصححه الألباني].
الاغتسال من غسل الميت
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَلْيَغْتَسِلْ)[رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
سادسا: صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم
عن ابن عباس قال: حدثتني خالتي ميمونة، قالت: (أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ أَفْرَغَ بِهِ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ، فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا،
ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ، فَرَدَّهُ)[متفق عليه].
علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- كيفية الاغتسال من الجنابة وآدابها وسننها، ويتضمن هذا الحديث صفة غسله -صلى الله عليه وسلم- كما تخبر به زوجته ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها-، فصفة الغسل الكاملة هي كالتالي:
- ينوي الغسل ولا يشترط التلفظ بها كأن يقول: نويت الغسل.
- يغسل يديه قبل إدخالهما الإناء، خاصة إذا كان قائما من نوم.
- إزالة الأذى الذي على فرجه
- تنظيف اليد بعد غسل الأذى.
- يتوضأ وضوءه للصلاة.
- غسل الرأس ثلاث مرات حتى يصل الماء إلى جلد الرأس، والمرأة لا يجب عليها حل ضفائرها؛ بل تخلل شعرها بالماء حتى يصل الماء إلى جلد رأسها، ثم تفيض الماء على رأسها، وسواء دخل الماء إلى باطن الضفائر أو لا.
- إفاضة الماء على بقية البدن مرة واحدة، ويراعي غسل لحيته جيدا حتى يصل الماء إلى الجلد من تحتها، وكذلك يراعي وصول الماء إلى ثنايا الجلد، وهي الأماكن التي لا يصل الماء إليها بسهولة؛ كالإبط وغيره.
- ثم يتنحى عن موضعه، ويغسل قدميه؛ اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.