الإسلام دين النظافة والطهارة، طهر الله به القلوب والأبدان، وطهر به الباطن من الشرك والمعاصي، وطهر به الظاهر من الحدث والنجاسة؛ وذلك لأن طهارة الظاهر دليل وعنوان على طهارة الباطن.
الوضوء من سمات الأمة
والوضوء من سمات الأمة، تتميز به أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- من بين سائر الأمم يوم القيامة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ)[رواه البخاري].
وهو نصف الإيمان: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ)[رواه مسلم].
تعريف الوضوء
الوضوء من الوضاءة، وهي: الحسن، والبهجة.
والوضوء بالضم: فعل الوضوء، وبالفتح: الماء المعد له، والميضأة بكسر الميم: الموضع الذي يتوضأ فيه.
وهو في اصطلاح الفقهاء: التعبد لله عز وجل بالغسل والمسح لأعضاء مخصوصة، على صفة مخصوصة، وإيصال الماء إلى هذه الأعضاء مع النية.
حكم الوضوء
الوضوء قد يكون واجبا، أو مسنونا، أو مستحبا.
- فالواجب، وهو الوضوء للصلاة فرضا كانت أو نفلا.
- والمسنون، وهو الوضوء للطواف بالبيت الحرام، ومس المصحف، وتلاوة القرآن، وذكر الله، وعند النوم.
- والمستحب: وهو الوضوء لذكر الله عز وجل، وعند النوم، والوضوء بعد أي حدث ولو لم يرد الصلاة، والوضوء من حمل الميت.
المداومة على الوضوء
يستحب الوضوء عند كل صلاة، بأن يجدد المسلم وضوءه للصلاة حتى ولو كان متوضئا، عن أنس -رضي الله عنه- قال: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ)[أخرجه البخاري].
ويسن المداومة على الوضوء؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال: (يَا بِلاَلُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ)،
قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُوراً، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ.[متفق عليه].
أداء الصلوات الخمس بوضوء واحد
ويجوز أداء الصلوات الخمس بوضوء واحد، ما دام لم يحدث ما ينقض الوضوء، والنبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه.
فقال له عمر -رضي الله عنه-: لَقَدْ صَنَعْتَ اليَوْمَ شَيْئاً لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ، قالَ: (عَمْداً صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ)[أخرجه مسلم].
حكم ترك أحد أعضاء الوضوء
من ترك غسل أحد أعضاء الوضوء أو بعضه لم يصح وضوءه، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ، تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ العَصْرِ،
فَتَوَضَّؤُوا وَهُمْ عِجَالٌ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ، وَأعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ)[متفق عليه].
فضائل الوضوء
إن الوضوء للصلاة من أعظم الطهارات التي رتب الله عليها الأجر العظيم، فهو سبب لمحو الخطايا، ورفع الدرجات، وسبب لمحبة الله تعالى، ومن فضائل الوضوء.
محبة الله للمتطهرين
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222].
الوضوء يمحو الخطايا
قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ – أَوِ الْمُؤْمِنُ – فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ.
فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ.
فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) [أخْرجه مسلم].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ). قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ قال: (إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ)[أخرجه مسلم].
الوضوء حلية المؤمن
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت خليلي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (تَبْلُغُ الحِلْيَةُ مِنَ المُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الوَضُوءُ)[أخرجه مسلم].
فروض الوضوء
قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[المائدة: 6].
فرائض الوضوء هي
- النية ومحلها القلب : لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)[متفق عليه]، ومن السنة ألا يتلفظ بالنية، بأن يقول: “نويت الوضوء لله تعالى”.
- غسل الوجه.
- غسل اليدين إلى المرفقين.
- مسح الرأس.
- غسل الرجلين إلى الكعبين.
- الترتيب بين أعضاء الوضوء.
- الموالاة بين أعضاء الوضوء، (أي متابعة غسل الأعضاء بلا فاصل زمني طويل بينها).
سنن الوضوء
- التسمية سنة من سنن الوضوء وليست واجبة، وعلى هذا لو توضأ المسلم ولم يسم فوضوؤه صحيح، غير أنه فوت على نفسه ثواب الإتيان بهذه السنة، والأحوط للمسلم ألا يترك التسمية على الوضوء، فإن ذكر التسمية في أثناء الوضوء سمى، وليس عليه أن يعيد الوضوء.
- السواك، ومحله عند المضمضة؛ ليحصل به والمضمضة تنظيف الفم لاستقبال العبادة والتهيؤ لتلاوة القرآن ومناجاة الله عز وجل.
- غسل الكفين ثلاثا في أول الوضوء قبل غسل الوجه.
- البداءة بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه؛ ويبالغ فيهما إن كان غير صائم.
- تخليل اللحية بالماء، وتخليل أصابع اليدين والرجلين.
- التيامن، وهو البدء باليمنى من اليدين والرجلين قبل اليسرى.
- الزيادة على الغسلة الواحدة فيغسل كل عضو ثلاث مرات في غسل الوجه واليدين والرجلين.
ما يجب له الوضوء
هناك بعض الحالات توجب الوضوء، وبعضها لا توجبه، بل يستحب من أجلها الوضوء، فالذي يجب له الوضوء الصلاة، حيث يشترط الوضوء لصحة الصلاة إذا كان محدثا حدثا أصغر ،
وأما غير المحدث فلا يجب عليه الوضوء لكل صلاة، فيجوز له أن يصلي أكثر من صلاة ما دام أنه لم يأت بما ينقض وضوءه.
ما يُستحَب له الوضوء
- تجديد الوضوء لكل صلاة.
- الوضوء لذكر الله عز وجل.
- الوضوء عند النوم.
- الوضوء للجنب: إذا أراد الجنب النوم، أو الأكل، أو أراد أن يعاود الجماع، فيستحب له الوضوء فإنه أنشط للعود.
- الوضوء بعد أي حدث ولو لم يرد الصلاة.
- الوضوء من حمل الميت.
صفة الوضوء
وصفة الوضوء التي وردت في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما يلي:
استحضار النية في القلب، ثم البدء بالسواك.
التسمية عند البدء بالوضوء وذلك بأن يقول “بسم الله”.
غسل الكفين ثلاث مرات.
المضمضة والاستنشاق ثلاث مرات.
غسل الوجه ثلاث مرات مع تخليل اللحية.
غسل اليدين إلى المرفقين ثلاث مرات على أن يبدأ بيده اليمنى قبل اليسرى.
مسح الرأس.
مسح الأذنين من الداخل والخارج مرة واحدة.
غسل الرجلين إلى الكعبين على أن يبدأ برجله اليمنى.
ويستحب أن يقول بعد الفراغ من الوضوء: (أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ)[رواه مسلم].
نواقض الوضوء
1 – كل ما خرج من السبيلين وهما: القبل والدبر، سواء كان غائطا أو بولا.
2 – النوم: والنوم الناقض للوضوء هو النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك، وأما مبادئ النوم قبل الاستغراق، فهذا لا ينقض الوضوء،
عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: (أقِيمَتْ صَلاةُ العِشَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِي حَاجَةٌ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَاجِيهِ، حَتَّى نَامَ القَوْمُ، (أوْ بَعْضُ القَوْمِ) ثُمَّ صَلَّوْا)[متفق عليه].
3 – مس الفرج، فيجب الوضوء من مس الفرج؛ سواء في ذلك الرجل والمرأة، إلا أن يكون بينه وبينه حائل.
4 – أكل لحم الإبل، والظاهر من قوله: (لحوم الإبل): جملة البعير؛ فعلى هذا يجب الوضوء إذا أكل كبده أو سنامه أو كرشه ونحو ذلك، وأما اللبن فلا يدخل فيه؛ لأنه ليس لحما، فالنص لا يشمله.
ما لا ينقض الوضوء
إذا شك أو خيل إليه أنه خرج منه شيء، بمعنى أنه شك هل أحدث، أم لا، فلا يضره ذلك، ولا ينتقض وضوءه إلا إذا تيقن أنه أحدث، وكذلك إذا سمع صوتا داخل بطنه، فإنه لا ينتقض الوضوء إلا بخروج الريح من الدبر.
إذا أكل أو شرب فلا يجب عليه الوضوء، وإنما يكفيه أن يتمضمض إذا كان الطعام دسما ، وإذا لم يتمضمض فالصلاة صحيحة.
لمس فرج الصغير لا ينقض الوضوء، فمن يقومون بتنظيف الأطفال، ويمسوا فروجهم فإن وضوءهم لا ينتقض.
صفة طهارة المريض
يجب على المسلم أن يتوضأ بالماء، فإن عجز عن استعماله لمرض أو غيره تيمم بتراب طاهر، فإن عجز عن ذلك سقطت عنه الطهارة، وصلى على حسب حاله، قال تعالى:
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
للاطلاع على المزيد: