كيف كانت أخلاق النبي دليلا على نبوته؟
لقد كان تتميم جانب الأخلاق هو الهدف الأول من بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أجل كان لابد وأن يكون الداعي للأخلاق مثالا يحتدى وقدوة يقتدى بها.
استدلال خديجة على نبوة النبي
كان الدليل الذي استدلت به خديجة -رضي الله عنها- على نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن الذي جاءه بالغار إنما هو ملك من ملائكة الله، وأن الله سيرفع شأنه، ما رأيته من جميل أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وأن من يكون بهذه الأخلاق السامية لا يمكن أن يخزيه الله أبد؛ لأنه بالتزامه جانب الأخلاق يكون من أحب الناس إلى الله؛ لأن الله هو مصدر القيم والفضائل.
اعتزال النبي للعبادة
عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: (كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم.
فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء، فيتحنث فيه – قال: والتحنث التعبد – الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود بمثلها، …
مجيء الملك للنبي في الغار
يكمل الإمام البخاري روايته عن عائشة فتقول: (حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنا بقارئ).
قال: (فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد،
ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم). الآيات إلى قوله: (علم الإنسان ما لم يعلم).
رجوع النبي إلى خديجة خائفا
لما جاء الملك للنبي وأمره بالقراءة ونزلت عليه بدايات سورة العلق اشتد خوف النبي -صلى الله عليه وسلم- مما رأى، فتكمل عائشة وتقول:
(فرجع بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة، فقال: (زملوني زملوني).
فزملوه حتى ذهب عنه الروع. قال لخديجة: (أي خديجة، ما لي، لقد خشيت على نفسي). فأخبرها الخبر،
حسن خلق النبي
لما رجع رسول الله خائفا طمأنت خديجة رسول الله واستدلت بحسن خلقه على أن الله لن يخزيه أبدا.
تقول عائشة: (قالت خديجة: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
خديجة تسال أهل المعرفة
ذهبت خديجة لواحد من العلم والمعرفة وهو ورقة بن نوفل ابن عمها ليخبرها عما حدث لزوجها.
تقول عائشة: (فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب،
وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، قال ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى،
ورقة يبشر النبي بالنبوة
لما سمع ورقة ما قاله رسول الله بشره بالنبوة ولم يتعجب أن يكون رسول الله هو النبي لما كان عليه رسول الله من حسن الخلق والطهارة،
ووعده بأن سيكون من المؤمنين به وسيكون نصيرا له إذا نزلت عليه الرسالة وهو حي، لأنه كان قد تنصر في الجاهلية وعرف الكثير عن صفات النبي الذي سيبعث آخر الزمان.
تقول عائشة: فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا، ذكر حرفا،
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أو مخرجي هم). قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا.
ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم.البخاري
رجاحة عقل خديجة
ومما يدلنا على رجاحة عقل السيدة خديجة -رضي الله عنها- عدة أمور:
الأول: استدلالها بحسن أخلاق النبي على نبوته وأن ما عليه رسول الله من الأخلاق القويمة هو من أكبر المؤشرات على صحة بنوته.
الثاني : ذهابها برسول الله إلى ورقة بن نوفل ابن عمها الذي كان قد تنصر في الجاهلية وعنده من العلم والحكمة ما يجعله قادرا على معرفة ما حدث للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
استدلال هرقل بأخلاق النبي على نبوته
من الذين استدلوا على صحة نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- من خلال أخلاقه هرقل عظيم الروم، وهذا يظهر واضحا في الحوار الذي دار بني أبي سفيان هرقل.
كان أول ما سأله هرقل لأبي سفيان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قال له: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب.
قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا.
قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون
قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا.
قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة.
قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه.
قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيء، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها.
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله.
وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك، قلت رجل يطلب ملك أبيه.
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.
وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل،
وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم.
وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر.
وسألتك بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف،
فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم حتى أخلص إليه، لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه. [البخاري]