السيرة النبوية

تابع جرائم ابن سلول في حق الإسلام والمسلمين

ابن سلول لم تقف عداوته للنبي -صلى الله عليه وسلم- عند حدود المؤامرات وإنما تجاوز ذلك وفعل ما لم يفعله المشركون وهو الخوض في الأعراض.

ابن سلول في غزوة بني المصطلق

في غزوة بني المصطلق سنة خمس من الهجرة حدث نزاع بين أجير عمر بن الخطاب واسمه جهجاه، ورجل من الأنصار يقال له سنان بن وبرة

حيث كسح المهاجري أي ضرب برجله دبر الأنصاري فنادى فاشتد الأمر بينهم ونادى كل واحد على قومه.

فنادى الأنصاري على الأنصار، ونادى المهاجري على المهاجرين حتى كادت أن تكون فتنة.

واستغل ابن سلول هذا الموقف وطلب من قومه ألا ينفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا عنه ويتركوا دعوته.

فقال الله: (هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ).

ووصف ابن سلول رسول الله بالأذل وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وهذا هو ما قاله الله:

(يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ‌ٱلۡأَعَزُّ ‌مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ).

عن جابر -رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعاب،

فكسع أنصاريا، فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا، وقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: ‌يا ‌للمهاجرين،

فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ما بال دعوى أهل الجاهلية؟ ثم قال: ما شأنهم).

فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري، قال: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دعوها فإنها خبيثة).

وقال عبد الله بن أبي سلول: أقد تداعوا علينا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر: ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟ لعبد الله،

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه)[البخاري]

الرسول لم يعاقب ابن سلول

ولم يتعرض رسول الله لابن سلول بسوء ولا أذى من باب سد الذرائع ولأجل الحفاظ على الدعوة لئلا يستغل المشركون وآلتهم الإعلامية هذا الأمر فينشرون في الناس أن محمدا يقتل أصحابه.

موقف ولد ابن سلول من أبيه

وروى ابن إسحاق: إن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول أتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم– فقال:

يا رسول الله انه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمر لي به فأنا أحمل إليك رأسه،

فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده مني، وأني أخشي أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلي قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار.

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بل نترفق به وتحسن صحبته ما بقي معنا، وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين ‌يعاتبونه ويأخذونه ويعتقونه.

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم كيف تري يا عمر؟

أما والله لو قتلته يوم قلت لي لأرعدت له ألف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته، فقال عمر قدر الله علمت، لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظم بركة من أمري.

اشتداد النبي على ابن سلول

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرا ما يترفق بعبد الله بن أبي بن سلول تأليفا لقلبه على الإسلام وكان كثيرا ما يقبل عذره.

لكن بالغ ابن سلول في أذاه للنبي ورماه بما لم يرمه به المشركون حيث طعن في عرض النبي -صلى الله عليه وسلم- ورمى عائشة -رضي الله عنها- بالإفك بعد غزوة بني المصطلق.

وكانت عائشة -رضي الله عنها- هي أحب الزوجات للنبي، وابنة أحب الرجال للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أبو بكر -رضي الله عنه-.

فطلب النبي من قومه أن يأخذوا على يديه، فقالت عائشة: فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول.

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌من ‌يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي).

فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه: إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك.

فقام سعد ابن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على ذلك.

فقام أسيد بن الحضير فقال: كذبت لعمر الله، والله لتقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين.

فثار الحيان: الأوس والخزرج، حتى هموا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، فنزل فخفضهم، حتى سكتوا وسكت.[البخاري]

وأنزل الله فيه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة يبين عاقبة جرمه وافترائه على المحصنات الطاهرات في عشر آيات تتلى من سورة النور.

فكان أول هذه الآيات قول الله: (إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو ‌بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ).

وفاة عبد الله بن أبي بن سلول

توفي عبد الله بن أبي بن سلول بعد رجوع النبي -صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك فجاء عبد الله ولده للنبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب منه قميصه ليكفنه فيه، وأن يصلي عليه وأن يستغفر له فوافقه النبي وفعل له ما أراد.

عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- قال: لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول، دعي له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي عليه.

فلما قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وثبت إليه، فقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي، وقال قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ أعدد عليه قوله،

فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: (‌أخر ‌عني ‌يا ‌عمر). فلما أكثرت عليه، قال:

(إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها).

قال: فصلى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة:

(‌وَلَا ‌تُصَلِّ ‌عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ).

قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ، والله ورسوله أعلم.[البخاري]

والتخيير الذي ذكره رسول الله هو قول الله: (‌ٱسۡتَغۡفِرۡ ‌لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ).

وهذا يبين لنا مدى رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومحبته لأن يشمل الله الجميع بمغفرته لكن الله بعدله ينزل كل واحد منزلته التي يستحقها.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة