كثيراً ما يحب الإنسان أن يبدأ صفحة جديدة في حياته، ولكنه ينتظر وقتا محددا، أو حدثا معينا، أو مساعدة من أحد، للقيام بهذا التجديد.
ابدأ التجديد فورا
كثيرا ما ينتظر الواحد منا أن يبدأ بداية جديدة في بداية عام أو شهر جديد ..إلخ وهذا وهم، لأن تجدد الحياة ينبع قبل كل شيئ من داخل النفس.
فالإنسان إذا ملك نفسه، ووقته، واحتفظ بحرية الحركة لقاء ما يواجه من شؤون كريهة، فأنه يقدر على فعل الكثير دون انتظار أياد خارجية تساعده على فعل ما يريد.
إن كل صباح هو بداية جديدة تساعد الإنسان على تجديد دائم لحياته، وبناء مستقبل أفضل، والإسلام فيه من النصائح والتوجيهات ما تعين المرء على تجديد حياته، وأن يعيش حياة سعيدة هانئة، ومنها:
جدد حياتك
جدد حياتك: فلا تعلق تجديد حياتك على أمنية يلدها الغيب: فإن هذا التأخير لن يعود عليك بخير، فعليك أن تعيد ترتيب حياتك بين الحين والحين، وتزيل عنها ما لحقها من إثم فننفيه عنها مثلما تُنفى القمامة، فتجدد حياتك، وتعيد تنظيمها، وتجدد عهدك بربك الذي قطعته على نفسك سابقًا، وترجوه بقلبك المنكسر قائلا:
(اللَّهمَّ أنتَ ربِّي وأنا عبدُكَ لا إلهَ إلَّا أنتَ خلَقْتَني وأنا عبدُكَ أصبَحْتُ على عهدِكَ ووَعْدِكَ ما استطَعْتُ أعوذُ بكَ مِن شرِّ ما صنَعْتُ وأبوءُ لكَ بنعمتِكَ علَيَّ وأبوءُ لكَ بذُنوبي فاغفِرْ لي إنَّه لا يغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ)[البخاري].
عش في حدود يومك
عش في حدود يومك: ولقد علمنا رسولنا -صلى الله عليه و سلم- هذا المعنى العظيم، فقال -صلى الله عليه وسلم-:
(مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا)[الترمذي]
فالإحساس بالأمان والعافية وكفاية اليوم الواحد تتيح للإنسان التفكير بهدوء، وتمكنه من الإنتاج.
فعلى المرء أن يتعلم العيش في حدود يومه وألا يسمح للوساوس والأوهام أن تعترض سيره، وكثير من الناس يستصغر تلك النعم ويلهث وراء مزيد من الثروات والمناصب فتستهلك قواه البدنية والنفسية ويعتريه القلق باستمرار، وهو الذي يعد القاتل الأول في بعض دول العالم مثل أمريكا.
على أن العيش في حدود اليوم لا يعني تجاهل المستقبل، أو ترك الإعداد له، فإن اهتمام المرء بغده وتفكيره فيه حصافة وعقل.
وهناك فارق بين الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به، بين الاستعداد له والاستغراق فيه، بين التيقظ في استغلال اليوم الحاضر وبين التوجس المربك المحير مما قد يفد به الغد.
لا تقف عند حدود ما فاتك في الماضي
لا تبك على فائت: يتكرر كثيراً في حياتنا أن نبكي على كثير من الأمور، ونحزن لها، ونذرف من أجلها الدموع، ونحمل أنفسنا الهموم لأن ذلك قد حدث.
ولن نستطيع إعادة الزمن للوراء لتفادي الوضع والحذر من الكسر، فلا تبك على ما فات إلا نادمًا ندمًا يدفعك للعمل والإنجاز، ولا ترق دموع العينين على فائت لا يمكنك إعادته، وبث الأمل في نفسك ونفوس من حولك.
فالعالم لم ينتهى والأمل مازال موجودا، وتعلم مما فات ليكون لك درساً وسلماً يساعدك للصعود والتقدم وليس حزناً وهما يبقيك حيث أنت.
والمؤمن الحق هو من يتوكل على الله، ويستريح إلي ما يأتي به المستقبل، ذلك أنه لا معني لتوتر الأعصاب واشتداد القلق بازاء أمور تخرج عن نطاق إرادتنا.
والركون إلى القدر يورث الرجل جرأة على مواجهة اليوم والغد ويجعله أكثر تحملا لأي خسارة مهما عظمت، وقد قال -صلي الله عليه وسلم-:
(من سعادةِ ابنِ آدمَ رضاه بما قضى اللهُ له، ومن شقاوةِ ابنِ آدمَ تركُه استخارةَ اللهِ، ومن شقاوة ابنِ آدمِ سخَطُه بما قضى اللهُ له)[الترمذي].
فعلينا التعلم من دروس وعبر الماضي وليس تجديد الحزن عليها والإكثار من عبارات ” ليت .. “لو .. ” فهذا هو ما يكره للمسلم فعله وهو ليس من منطق الإيمان ولا شيم الرجولة.
وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)[مسلم].
اعمل ولا تنتظر الشكر
لا تنتظر الشكر من أحد: إذا صنعت معروفًا أو اجتهدت في عمل ما فلا تنتظر الشكر من أحد.
واعلم أن البشر قد قصروا في الشكر تجاه الخالق عز وجل وهو الذي رزقهم وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، فما كان من أكثرهم إلا الجحود والنكران، فهل تنتظر أنت أيها الإنسان أن يشكرك أمثال هؤلاء البشر ؟!
فإذا انتظرنا منهم ذلك، فإننا بذلك نجر على أنفسنا متاعب نحن في غنى عنها، لأن أشكر الناس لله تبارك وتعالى أشكرهم للناس،
ولا يشكر الله من لا يشكر الناس، وقيل: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، فاعمل الخير لوجه الله؛ لأنك الفائز على كل حال، ثم لا يضرك غمط من غمطك، ولا جحود من جحدك،
واحمد الله لأنك المحسن، واليد العليا خير من اليدِ السفلى (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً)[الإنسان:٩].
كلما علا قدرك كلما زاد نقدك
بقدر قيمتك يكون النقد الموجه لك: فرذيلة الحسد قديمة على الأرض قدم الإنسان نفسه، فما إن تكتمل خصائص العظمة في نفس،
أو تزداد مواهب الله لدى إنسان حتى ترى كل محدود أو منقوص يضيق بما رأى، ويطوي جوانحه على غضب مكتوم، ويعيش منغصاً لا يريحه إلا زوال النعمة، وانطفاء العظمة، وتحقق الإخفاق، فالدميم يرى في الجمال تحدياً له، والغبي يرى في الذكاء عدواناً عليه، والفاشل يرى في النجاح إزدراء به،
وهكذا!! يقول (ديل كارنيجي): كثير من الناس يجدون تشفيا في اتهام شخص يفوقهم ثقافة أو مكانة أو نجاحاً،
والحل كما قال الشيخ محمد الغزالي لا يكون بالانسحاب من ميدان الحياة، بل أن تكون عصيًّا على النقد؛
فالرجل القوي يجب أن يدع أمر الناس جانبًا وأن يشق طريقه بنفسه إلى غايته، وهذا ليس معناه ازدراء الناس والقسوة عليهم فهذا انحراف قيمي آخر،
بل كل ما نوصي به ألا تعطي العامة فوق ما لها من حقوق عقلية أو خلقية، فإن مستويات الجماهير لا تتحكم في تقرير الحق، أو تحديد الفضيلة. بل تؤخذ الحقائق والفضائل من ينابيعها الأصيلة.