أهمية الأخلاق ودورها في صلاح الفرد والمجتمع
إن أي مجتمع لا بد له من أسس ومقومات يقوم عليها، وهذه الأسس والمقومات لا تختلف باختلاف الزمان ولا المكان، والمجتمع الإسلامي تميز بعدد من السمات جعلته بحق مجتمعاً فريداً.
تعريف الأخلاق
ومن أهم تلك الأسس والمقومات التي تقوم عليها المجتمعات وقام عليها المجتمع الإسلامي الأخلاق.
والأخلاق في اللغة كما جاء في القاموس المحيط، ولسان العرب: جمع خلق، والخُلُق -بضمِّ اللام وسكونها- هو الدِّين والطبع والسجية والمروءة.
وحقيقته أن صورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها.
وعرف الجرجاني الخلق في الاصطلاح بأنه: (عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويَّة،
فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقًا حسنًا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقًا سيئًا).
أثر انهيار الأخلاق في انهيار الحضارات
فالأخلاق الراقية والقيم النبيلة من أهم الدعائم والأسس التي يقوم عليها نظام الحياة البشرية، وهي العاصمة للمجتمعات من الانهيار والانحلال.
والقرآن الكريم يبين لنا أن أحد أهم عوامل سقوط الحضارات فى الأمم السابقة، هى التحلل الخلقى الذى كان عليه الأفراد فى هذه المجتمعات.
ومثال ذلك ما كان عليه قوم لوط حينما قلبوا الفطرة واتخذوا الذكورمحلاً للشهوة وهواللواط أو ما يسمى الآن بالمثلية الجنسية، كما قال لهم نبيهم لوط عليه السلام:
(أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ )[العنكبوت 29 –30]
وأي فساد أخلاقي أشد من هذا الشذوذ الجنسي والذي يروج له الآن وغيره في مجتمعنا تحت دعاوى الحريات وحقوق الإنسان.
فتعاطي الفواحش والرذائل والمحرمات والدعوة إليها والانسلاخ من كافة القيم والمبادئ الأخلاقية والإسلامية وفعل كل ما هو منافي للآداب العامة والآداب الإسلامية من أسباب انهيار المجتمع وسقوطه.
فالأمم لا تسقط بسبب انهيار اقتصادها أو قوتها العسكرية فحسب وإنما بتردي أخلاقها، وصدق الشاعر حيث قال :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
الأخلاق غاية بعثة النبي
ولذلك كانت الأخلاق الحميدة من أعظم هذه الغايات التي جاء الأنبياء من أجل تعزيزها في نفوس الناس، فلقد حدد رسول الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم -الغاية من بعثته فقال:(إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ وفي روايةٍ (صالحَ) الأخلاقِ)[البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة –] ولقد اتصف رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم- بجميع مكارم الأخلاق، فكان في الذروة العليا من الأخلاق الحسنة، صدقا وأمانة، وكرما وحلما، وشجاعة وعفة،
وغير ذلك من الصفات التي يحظى بالإجلال والإكبار من حصل على واحدة منها، فضلا عمن جمعت له وتوفرت فيه، فكان أبلغ وصف وأدق تصوير لخلق رسول الله ما وصفه به ربه (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم:4]
وسئلت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خُلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: (كان خلقه القرآن)[أحمد].
فالأخلاق الحسنة كانت من أهم ما دعا إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد وردت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة مبينة فضل حسن الخلق، مرغبة في مكارم الأخلاق، فمن ذلك قولُه تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف : 199].
وقد رُوي عن جعفر الصادق أنه قال: (ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها).
ومن ذلك قوله – تعالى -: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة : 83]،
وقوله – تعالى -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات : 10].
وقوله – تعالى -: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاس وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء : 114]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
أجر التزام الأخلاق
جاءت السنة مبينة الأجر العظيم لمن اتصف بمكارم الأخلاق؛ ومما ورد في ذلك قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (البر حسن الخلق)[مسلم]
وعن أَبي الدَّرداءِ : أَن النبيَّ قالَ: (مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامة مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وإِنَّ اللَّه يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيَّ)[الترمذي]
وعن أبي هُريرة قَالَ: (سُئِلَ رسولُ اللَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، قَالَ: تَقْوى اللَّهِ، وَحُسْنُ الخُلُق، وَسُئِلَ عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ: الفَمُ وَالفَرْجُ)[الترمذي]
وعن عائشةَ قالت: سَمِعتُ رسولَ اللَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: (إِنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِه درَجةَ الصَّائمِ القَائمِ)[أَبُو داود].
أصول مكارم الأخلاق
والأخلاق الحسنة المحمودة التي دعا إليها الإسلام ورغب فيها، وحث على التخلق بها – كثيرة، ومن العلماء من أرجعها إلى أصولٍ أربعة؛ وهي:
الحكمة، والعفة، والشجاعة، والعدل.
ومن أبرز مكارم الأخلاق التي وجب التحلي بها: القناعة، والرضى، والصبر، والحلم، والرفق، والكرم، والحياء، والتواضع، والشجاعة، والعدل ،
والإحسان، وقضاء الحوائج وغض البصر، والأمانة والصدق، والرحمة والوفاء، وطلاقة الوجه وطيب الكلام، وحسن الاستماع وحسن الظن، وتوقير الكبير، وإجابة الدعوة والإصلاح بين الناس، وعلو الهمة والبر، والأناة، والاعتدال، والشكر،
وحفظ اللسان والجسد، والشورى، والعفة، والعزة، والقوة، والتعاون، والتسامح، وفعل الخير، والبعد الشر، والمساعدة، والنية الحسنة، وكف الأذى عن الناس، وطاعة الوالدين، ونشر المحبة، والستر، وحفظ السر، والهدية وقبولها، وجبر الخواطر ومُراعاة المشاعر وغيرها.
أثر الأخلاق على الفرد والمجتمع
فما أجمل أن نتحلى بهذه الأخلاق الحميدة، ونجعلها أساس التعامل في حياتنا اليومية، فالمجتمع الذي تسوده الأخلاق الحسنة يعيش أبناؤه في جو من السعادة والتفاهم فيما بينهم.
والأمة التي تزدهر فيها الأخلاق يرتفع شأنها، والمتأمل في تاريخ الأمة الإسلامية يجد أنه كلما ازدهرت الأخلاق في عصر من العصور تقدمت كما كان في عصر الخلفاء الراشدين
فانتقلت الأمة من نصر إلى نصر، وتوسعت فصارت حدودها تملأ ما بين المشرق والمغرب.
وعندما ضيعت الأخلاق وانتشر المجون في أواخر الدولة العباسية وقعت الأمة الإسلامية تحت أقدام التتار.
ونالت الأندلس ذات المصير أيام سقوطها، بعد فساد أهلها وأمرائها بل والعجيب أن هذه السنة ليست قاصرة على المسلمين، بل هي عامة على جميع الأمم.
فالدولة الرومانية لم تسقط إلا حينما انهارت فيها الأخلاق، وحديثًا سقط الاتحاد السوفيتي لانتشار الإباحية والفساد المالي والإداري فغياب موازين العدالة والقيم الأخلاقية الرفيعة في المجتمعات ينذر بانهيارها.