الوضوء والصلاة ثمرات وفوائد

اختص الله سبحانه وتعالى الأمة المحمدية بعبادة هي من أفضل العبادات وأشرفها، ألا وهي الوضوء، وهو أهم ما يميزنا عن سائر الأمم يوم القيامة.

فضل الوضوء

فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أبو هريرة: (إن أمتي يُدعَون يوم القيامة غرًّا مُحجَّلين مِن آثار الوضوء، فمَن استطاع منكم أن يُطيل غرَّته فليفعل)[مسلم]،

فما يميزنا نحن أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- أننا نأتي يوم القيامة غرًّا محجلين، أي: وجوهنا وأيدينا بيضاء مِن آثار الوضوء، فهنيئًا لك أيها المسلم المتوضئ.

تشريع الوضوء

والوضوء من أوائل ما نزل من العبادات على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد بعثته، فعن زيد بن حارثة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:

(أن جبريل عليه السلام، أتاه في أول ما أُوحي إليه، فعلمه الوضوء والصلاة)[أحمد]

وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (دخلت فاطمة -رضي الله عنها- على النبي -صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقالت: هؤلاء الملأ من قريش، قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا بُنيَّة، ايتِيني بوَضوءٍ، فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد)[أحمد].

الوضوء طهارة للظاهر والباطن

والوضوء له ظاهر وباطن، وظاهره طهارة البدن وأعضاء العبادة، وباطنه وسره طهارة القلب من أوساخه وأدرانه بالتوبة؛ ولهذا يقرن الله سبحانه وتعالى بين التوبة والطهارة في قوله:

(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222] ، وشرع النبي -صلى الله عليه وسلم- للمتطهر بعد فراغه من الوضوء أن يتشهد ثم يقول: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين).

خروج الخطايا مع ماء الوضوء

والوضوء فيه طهارة للمسلم من الخطايا التي ارتكبتها جوارحه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ؛ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاء، أو مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ،

فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ؛ خرجت من يَدَيْهِ كل خَطِيئَة بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ؛ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوب)]مسلم[.

من أسرارالوضوء

والوضوء يطفئ الغضب، ويقلل من الانفعالات والقلق، ويمنح الجسد الطاقة والحيوية، وفيه إعادة التوازن والنشاط، فهو وسيلة فعالة جداً للتغلب على التعب والإرهاق،

وفيه حماية للأعضاء والأطراف الأكثر تعرضاً للتلوث البيئي من غبار وجراثيم وغيرها، فلم يأمر تعالى بأمر إلا لحكمة.

الوضوء استعداد نفسي وبدني للقاء الله

والوضوء من العبادات العظيمة في الإسلام، وذلك لعظمة العبادة التي يرتبط بها، وهي الصلاة، فالوضوء عند علماء الفقه هو أول مقصد للطهارة؛

لأنه مطلوب أساسي للصلاة، وهو من أهم شروط الصلاة وفي الصحيحين: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)

فهو عبارة عن استعداد نفسي وبدني للقاء الله تعالى في الصلاة تلك العبادة التي يتصل بها المسلم مع الله تعالى.

الصلاة صلة بين العبد وربه

فالصلاة صلة بين العبد وربه، يقف العبد فيها بين يدي ربه مكبرا معظما له, يتلو كتابه ويسبحه ويمجده, ويسأله ما شاء من حوائجه الدينية والدنيوية.

فهي صلة ومظهر علاقة حقيقية بين الخالق والمخلوق، فالصلاة استجابة لغريزة الافتقار والضعف والدعاء، وغريزة الالتجاء والاعتصام والمناجاة، والاطراح على عتبة القوي الغني الكريم الرحيم السميع المجيب.

الصلاة مدرسة خلقية

والصلاة مدرسة خلقية فليست طقوسا ولا شعائر مجردة من المعنى والمضمون، بل تحمل في جوهرها قيمة أخلاقية مطلوب أن تنعكس على سلوك المسلم المؤدي لها وأن تتضح جليا في شخصيته وتعاملاته مع الغير.

فهذه العبادة التي فرضها الله تعالى على المسلمين خمس صلوات في اليوم والليلة، عندما أمر الله بها أبان الحكمة من إقامتها، فقال:(وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت: 45].

والفحشاء والمنكر هما جماع الأقوال البذيئة والأفعال السيئة، وهما لا يظهران إلا في التعامل مع الناس في المجتمع وهذا سلوك وأخلاق فما علاقته بالصلاة؟

وكأن الله تعالى يريد أن يعلمنا أنه إذا كانت  الصلاة علاقة بينك وبين ربك والسلوك علاقة بينك وبين الناس فلابد أن تنعكس العلاقة بينك وبين ربك على العلاقة بينك وبين أفراد المجتمع، فتحسنها وتهذبها.

ولذلك بين الله تعالى في الحديث القدسي أنه لن يتقبل الصلاة إلا ممن حولها إلى سلوك وأخلاق فيقول سبحانه وتعالى في الحديث القدسي:

(إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتى، ولم يستطل على خلقى، ولم يبت مصرا على معصيتى، وقطع النهار فى ذكرى، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة، ورحم المصاب) [الزبيدي].
فالصلاة بمفهومها الحقيقي تحث على التواضع، وعدم الاستطالة على الخلق، وتدفع صاحبها إلى الذكر، وعدم الإصرار على المعاصي، وترقق قلبه على المسكين وابن السبيل.

والأرملة والمصاب، فيبادرهم الخير والمروءة، فكأن حقيقة الصلاة أنها تزكية للنفس وتطهير لها من الأخلاق الرديئة والصفات السيئة.

الصلاة تعلمنا النظام

والصلاة تعود المسلم على الانضباط ، وتجعله منظم ومرتب في كل أموره، فهي منظومة متكاملة تغرس في المسلم قيمة النظام فلقد نظم الإسلام وقت أدائها فأنت تصلي في اليوم والليلة خمس مرات في أوقات محددة لايصح أن تتأخر أو تتقدم عنها قال تعالى:

(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا] [النساء: 103] وتؤدى بطريقة معينة لايجوز أن تخالفها أو تزيد أو تنقص عنها فلو قدم المصلي ركنا على ركن وخالف النظام والترتيب بطلت صلاته!!
والنظام من أهم مقومات صلاة الجماعة حيث يتقدم الإمام والصفوف متساوية خلفه فقد كان نبينا يقول عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ، مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)[مسلم]

وكان يعلم أصحابه النظام في صلاة الجماعة قائلا لهم عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا:

رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ، وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ)]البخاري[

إنه النظام في أجل صوره وأبهى مظاهره، وقد عرض بعض المسلمين على رجل أمريكي مشهداً للحرم وهو يعج بالمصلين والطائفين قبل إقامة الصلاة في المسجد الحرام.

ثم سألوه: كم من الوقت يحتاج هؤلاء لكي يكونوا في صفوف منظمة متحلقة حول الكعبة؟ فقال ساعتين إلى ثلاث ساعات، فقالوا له: إن الحرم أربعة أدوار!! فقال: إذاً اثنتي عشرة ساعة.

فقالوا: إنهم مختلفو اللغات وحتى اللهجات ومن بلدان شتى!! فقال الخواجة: هؤلاء لا يمكن اصطفافهم أبداً.

ثم حان وقت الصلاة.. فتقدم إمام الحرم بعد الإقامة.. وقال: استووا واعتدلوا.. سووا صفوفكم.. فوقف الجميع في صفوف متراصة حول الكعبة المشرفة في دقيقتين لا أكثر.

للاطلاع على المزيد:

Exit mobile version