الأمل والتفاؤل من شيم المؤمنين
إن من الصفات النبيلة والخصال الحميدة صفة التفاؤل، تلك الصفة التي تضيء الطريق لأصحابها، فهو نور وقت شدة الظلمات، ومخرج وقت اشتداد الأزمات، ومتنفس وقت ضيق الكربات، فما أضيق العيش لولا التفاؤل والأمل.
التفاؤل والأمل في القرآن الكريم
إن التفاؤل والأمل مكون أساسي من الرسالة التي جاء بها الإسلام، وتتضح معالم التفاؤل والأمل في القرآن الكريم في العديد من الآيات، ومنها قوله تعالى:
( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) [الشرح: 5، 6]، فتلك الآيات تبث في النفس روح الأمل، وتنبض في قلب الحياة بالتفاؤل، فهي من أصدق القائلين، ومن أصدق مِن الله قيلاً جلَّ في علاه؟!
فمهما كان البلاء على الإنسان شديداً، ومهما كان الإنسان مهمومهاً ومغموماً، فإن فرج الله قادم، فلا يسر إلا وكان قبله عسر، ولا فرج إلا وكان قبله شدة، وقد يأتي الفرج في أشد لحظات المحنة وفي أحلك الأوقات.
قال -تعالى-: (حَتّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنّوا أَنَّهُم قَد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا)،[ يوسف:110] وعلى المؤمن الصبر وانتظار الفرج من الله، فلن يعلم حال المؤمن أحد من الخلائق كما يعلمه الله، فإن الله هو الهادي وهو منير الطريق، وهو الملجأ، وهو الملاذ من كل شر، وهو السلام جل في-علاه.
اليأس من طبيعة الكافرين
وهذا نبي الله يعقوب على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام، يفقد ابنه يوسف ثم ابنه الآخر، وكل الشواهد تؤكد استحالة العثور عليهما واستعادتهما، ومع ذلك لا يفقد الأمل في العثور عليهما، ويحث أولاده على الذهاب للبحث عنهما،
قائلا فيما حكى عنه القرآن الكريم في سورة يوسف (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) [يوسف : 87]،
ويحذرهم من تسلل اليأس إلى قلوبهم قائلا (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ) [يوسف : 87]،
ويعلل ذلك بأن اليأس ليس من طبيعة المؤمنين بل من طبيعة الكافرين (إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف : 87].
وهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، تأتيه الملائكة لتبشره بإنجاب الولد الذي يتمناه فيسألهم قائلاً كما حكى القرآن على لسانه في سورة الحجر: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [ الحجر: 54].
وتظن الملائكة أنه قانط من رحمة الله والقنوط درجة أشد من اليأس: (قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ) [ الحجر: 54].
فيبادر خليل الرحمن بنفي ذلك عن نفسه مؤكدا أن المؤمن لا يصيبه اليأس والقنوط أبدا قائلا: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)[ الحجر: 54].
فالمؤمن لا يتمكن اليأس من نفسه أبدًا مهما كان الواقع أليما، لأنه يعلم أن كل شيء في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى.
وكيف يقنط وهو عبد لإله رحيم كريم حليم، سبحانه وتعالى رحمته وسعت كل شيء، وقدرته لا يعجزها أي شيء إذا أراد ربنا شيء فإنما يقول للشيء كن فيكون، فالمؤمن دائما يتحلى بالأمل التفاؤل مهما كانت الظروف والضغوط.
التفاؤل والأمل من صفات النبي
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- متفائلاً في كل أموره وأحواله، في حله وترحاله، في حربه وسلمه، ويكره التشاؤم، ففي الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة )[متفق عليه]
والطيرة هي التشاؤم، وكان -صلى الله عليه وسلم- في أصعب الظروف والأحوال يبشر أصحابه بالفتح والنصر على الأعداء، فعلمنا -صلى الله عليه وسلم- أنه كلما اشتد الكرب وتعاظمت المحنة فإن الأمل لا تنطفىء شعلته ولا تخمد جذوته في قلب المؤمن أبدا.
وإذا تتبعنا مواقفه -صلى الله عليه وسلم- في جميع أحواله، فسوف نجدها مليئة بالتفاؤل والرجاء وحسن الظن بالله، بعيدة عن التشاؤم الذي لا يأتي بخير أبدا.
مواقف من تفاؤل النبي
فمن تلك المواقف ما حصل له ولصاحبه أبي بكر -رضي الله عنه- وهما في طريق الهجرة، وقد طاردهما سراقة، فيقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- مخاطباً صاحبه وهو في حال ملؤها التفاؤل والثقة بالله: (لا تحزن إن الله معنا، فدعا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فارتطمت فرسه – أي غاصت قوائمها في الأرض – إلى بطنها)[متفق عليه].
ومنها تفاؤله -صلى الله عليه وسلم- وهو في الغار مع صاحبه، والكفار على باب الغار وقد أعمى الله أبصارهم فعن أنس عن أبي بكر -رضي الله عنه- قال :
(كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغار، فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما )[متفق عليه]
ومنها تفاؤله بالنصر في غزوة بدر، وإخباره -صلى الله عليه وسلم- بمصرع رؤوس الكفر وصناديد قريش.
ومنها تفاؤله -صلى الله عليه وسلم- عند حفر الخندق حول المدينة، وذكره لمدائن كسرى وقيصر والحبشة، والتبشير بفتحها وسيادة المسلمين عليها.
ومنها تفاؤله -صلى الله عليه وسلم- بشفاء المريض وزوال وجعه بمسحه عليه بيده اليمنى وقوله: لا بأس طهور إن شاء الله.
الأمل يدفع إلى العمل
إن التفاؤل والأمل كضوء ساطع لمن يتمسك به، يُنير دياجير الظلام، ويبعث في النفس الجد والمثابرة، ويعلمها الصبر والجلد، فإن الذي يبعث الطالب على الجد والمثابرة هو أمله في النجاح، والذي يغري التاجر بالأسفار والمخاطرة أمله في الأرباح.
والذي يحفز الجندي إلى الاستبسال في أرض المعركة أمله في النصر، لكن إذا بقي هذا الأمل في حدود التمنيات الطيبة فسيكون أملا سلبيا ضرره أكبر من نفعه.
فلا بد أن يكون هذا الأمل دافعا ومقرونا بالعمل الدؤوب والجهد المتواصل والعرق المبذول في سبيل الوصول إلى الإصلاح المنشود والتغيير المطلوب .