تقوى الله سبيل النجاه
التقوى كلمة عظيمة، تعني مراقبة الله في السر والعلانية، عبادة لله صافية، ثمارها السعادة في الدنيا والآخرة، رافعة للبلايا، منجية للأزمات، وهي خير زاد ليوم يقف فيه العباد بين يدي رب العباد.
تعريف التقوى
التقوى أن تجعل بينك وبين ما حرم الله حجابا وحاجزا، تعمل بأوامره وتجتنب نواهيه، وقد عرف علي بن أبي طالب رضي الله عنه التقوى؛ فقال: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
التقوى محلها القلب
والتقوى محلها القلب، لذلك فهي لا تليق إلا بقلب المؤمن بربه، الخاشع لخالقه، القلب الذي أقبل على الله تعالى، والتجأ منه إليه، به يبصر، وبه يسمع، وبه يمشي، عظم الخالق في نفسه فصغر ما دونه في عينه.
التواصي بالتقوى
والتقوى كانت وصية الله عز وجل لعباده الأولين والآخرين؛ فقال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131]،
ومن أكبر الأدلة على أهمية التقوى، أن الله أمر بها أشرف خلقه، وأكرم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الأحزاب: 1].
وأمر بها الأمم السابقة على لسان أنبيائهم: كنوح عليه السلام، قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) [الشعراء: 105-108].
وهود عليه السلام، قال تعالى: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) [الشعراء: 123-126].
وصالح عليه السلام، قال تعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) [الشعراء: 141-144].
التقوى ليست بالمظاهر
حقيقة المتقي ليست بالمظاهر، وإنما هي بالحقائق؛ وقد فقه الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ذلك المعنى، فقال:
(ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خير فهو خير إلى خير).
التقوى سبيل للخروج من الضيق
حين تسير حياة المسلم على تقوى من الله ورضوانه، فإنه يعمها الخير، وتكلؤها عناية الله، وتحفها بركات السماوات والأرض، فيوم اتقى أسلافنا الله حق تقاته دانت لهم الدنيا، وفاضت عليهم البركات، وتحقق لهم وعد الله.
يقول تبارك وتعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف: 96]، فلو أن أهل القرى صدقوا رسلهم واتبعوهم، واجتنبوا ما نهاهم الله عنه، لفتح الله لهم أبواب الخير.
فما أحوجنا إلى التقوى لتخرجنا من الضيق وتكون سببا في حصول الرزق: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2- 3]،
ما أحوجنا إلى التقوى التي ينجو بها المؤمن من الشدائد وتنهزم أمامه العقبات والمصاعب، ويكون في أمن من الخوف والحزن يوم القيامة: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس: 62، 63].
التقوى خير زاد
ما أحوجنا إلى زاد نحمله في سفرنا إلى دار القرار، قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197]، هذه هي عدة الطريق، وهذا هو الزاد الحقيقي للمؤمن.
قال الإمام الراشد عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه: (إن لكل سفر زادا فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى، ولا يطولن عليكم الأمر فتقسو قلوبكم).
التقوى نجاة للعبد في الآخرة
قال تعالى: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) [النساء 77]، «فمتاع الدنيا قليل، والآخرة وما فيها أعظم وأبقى لمن اتقى، ولا يظلم الله أحدًا، ولو كان شيئا قليلا».
وقال تعالى: (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأعراف 169]، «والدار الآخرة خير للذين يتقون الله، فيمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه، أفلا يعقل هؤلاء الذين يأخذون دنيء المكاسب أن ما عند الله خير وأبقى للمتقين؟» (التفسير الميسر (1/ 172).
التقوى نجاة من الجهل
قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة 282]، «وخافوا الله في جميع ما أمركم به، ونهاكم عنه، ويعلمكم الله جميع ما يصلح دنياكم وأخراكم، والله بكل شيء عليم، فلا يخفى عليه شيء من أموركم، وسيجازيكم على ذلك» (التفسير الميسر (1/ 48).
التقوى نجاة من الفزع يوم القيامة
قال تعالى: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأعراف 35]، «من اتقى سخط الله وأصلح عمله فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله تعالى، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا» (التفسير الميسر (1/ 154).
التقوى تكفر السيئات
قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [المائدة 65]، «ولو أن اليهود والنصارى صدَّقوا الله ورسوله، وامتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه، لكفَّرنا عنهم ذنوبهم، ولأدخلناهم جنات النعيم في الدار الآخرة» (التفسير الميسر (1/ 119).
التقوى نجاة من كيد الأعداء
قال تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران 120]، «وإن تصبروا على ما أصابكم، وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، لا يضركم أذى مكرهم، والله بجميع ما يعمل هؤلاء الكفار من الفساد محيط، وسيجازيهم على ذلك» (التفسير الميسر (1/ 65).
التقوى نجاة من ضيق العيش
قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق 4]، «ومن يَخَفِ الله، فينفذ أحكامه، يجعل له من أمره يسرًا في الدنيا والآخرة» (التفسير الميسر (1/ 558).
التقوى نجاة لأولادك من بعدك
قال تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [النساء 9]،
«ولْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع، فليراقبوا الله فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم، وذلك بحفظ أموالهم، وحسن تربيتهم، ودَفْع الأذى عنهم، وليقولوا لهم قولا موافقا للعدل والمعروف» (التفسير الميسر (1/ 78).
التقوى نجاة من عذاب النار
قال تعالى: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر 61]،
«وينجي الله من جهنم وعذابها الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب نواهيه بفوزهم وتحقق أمنيتهم، وهي الظَّفَر بالجنة، لا يمسهم من عذاب جهنم شيء، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا» (التفسير الميسر (1/ 465).
التقوى نجاة للأبناء
قال الله تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) [الكهف: 82].
قال القرطبي: قوله تعالى [وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا] فيه ما يدل على أن الله تعالى يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعدوا عنه وعلى هذا يدل قوله تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف: 196] [تفسير القرطبي جـ 11 صـ43].
التقوى نجاة في الضيق والشدة
روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَرَجَ ثَلَاثَةٌ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ الْمَطَرُ، فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ.
فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ فَأَجِيءُ بِالْحِلَابِ، فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي،
فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً، فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ، قَالَ: فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا، حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، قَالَ: فَفَرَجَ عَنْهُمْ.
وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتِ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا،
فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً، قَالَ: فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ.
وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ، فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا،
ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ أَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيَهَا فَإِنَّهَا لَكَ، فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا، فَكَشَفَ عَنْهُمْ» [متفق عليه].
التقوى نجاة لمن اتهم زورا وبطلانا
روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي فَقَالَتِ:
اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ:
مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ قَالَ: الرَّاعِي قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: لَا إِلَّا مِنْ طِينٍ)[البخاري حديث 3436].
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يتكلم في حال الصغر التي لا يتكلم فيها الأطفال إلا ثلاثة، ومنهم الغلام الذي اتهم به جريج راهب بني إسرائيل،
وكان جريج عابدا يصلي معتزلا الناس، فجاءته أمه في يوم ونادته وهو يصلي، فاحتار في نفسه وتردد: هل يقطع صلاته ويجيب نداء أمه، أم يكمل الصلاة تاركا نداء أمه؟
ففضل أن يكمل الصلاة، غضبت أمه ودعت عليه أن يرى قبل موته النساء البغايا اللاتي يمارسن الرذيلة والزنا ويعرفن بذلك.
وكان جريج في صومعته لا يخرج منها إلا لحاجة، فأتته امرأة وأرادت أن تفعل معه فاحشة بالزنا، فامتنع جريج، ومكنت راعيا للغنم منها فزنى بها،
فحملت تلك المرأة الزانية من هذا الراعي، فولدت غلاما، ولما سئلت عن والد الغلام، قالت: إنه ابن جريج صاحب الصومعة؛ إشارة إلى اتهامه بالزنا معها.
فذهب إليه الناس فهدموا الصومعة وأخرجوه منها، وجعلوا يؤذونه بالسب والشتم، فتوضأ جريج وصلى، ودعا الله في صلاته، ثم أقبل على الولد الذي اتهم فيه، وسأله: من أبوك يا غلام؟
فقال: أبي الراعي، فأنطق الله عز وجل الطفل بأن الراعي هو أبوه، فظهر للناس كرامة جريح وبراءته، فلما علموا براءته أرادوا أن يعيدوا بناء صومعته من ذهب، فرفض جريج ذلك، وأمرهم أن يعيدوا بناءها من الطين.