الاسترجاع مشروع عند كل ما يبتلى به الإنسان من مصائب، فيشرع الاسترجاع عند كل شيء يؤذي الإنسان أو يضره بأن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
إنا لله وإنا إليه راجعون
يشرع قول إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة؛ لقول الله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة: 155، 156]،
فيشرع للمرء أن يسترجع إذا أصابته مصيبة، سواء كان فقد عزيز عليه، أو ضياع ماله، أو مرضا يصيبه، أو جرحا يؤلمه، أو خبرا يحزنه، حتى لو كسر إناؤه، أو قطع نعله، فكل ذلك يعد من المصائب.
ثم إن هذه المصائب التي يصاب بها الفرد أو الأمة قد تكون في باب الجوع والخوف، وهما من أشد المصائب؛ لأن الجوع يؤلم البدن ويوهنه، والخوف يشغل القلب ويتلفه،
ومن البلاء: النقص في الأموال والأنفس والثمرات بما يصيبها من جوائح، أو ما يقع عليها من اعتداء بالغصب أو السرقة أو الاتلاف، ونقص الأنفس بموت الأولاد والأحبة؛ وذلك يحزن القلب.
اللهم أجرني في مصيبتي
من الأدعية المسنونة عند الوقوع في مصيبة الاسترجاع وقول : اللهم أجرني في مصيبتي، عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما مِن عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ: (إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:156]،
اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لي خَيْرًا منها، إلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ في مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ له خَيْرًا منها» [رواه مسلم].
في هذا الحديث تخبر أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم تصيبه أي مصيبة كانت، عظيمة أو صغيرة، فيقول ما أمره الله به: إنا لله وإنا إليه راجعون،
ويكون هذا القول مصاحبا للصبر وعدم الجزع، ثم يدعو صاحب المصيبة فيقول: اللهم أعطني الأجر والجزاء والثواب في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها.
وفي قصة أم سلمة رضي الله عنها بشارات مضيئة لذوي المصائب، والله تعالى يخلف المصاب كما أخلف لأم سلمة بدل زوجها أبي سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اتبعت السنة، وقالت ما أمرت به.
فضيلة قول: إنا لله وإنا إليه راجعون
كلمات الاسترجاع هي الملاذ لكل مصاب
كلمات الاسترجاع هي: “إنا لله وإنا إليه راجعون”، هذه الكلمات هي ملاذ كل مصاب، لئلا يتسلط الشيطان عليه ويوسوس له بما يزيد من شدة مصابه، وهي كلمة جامعة لمعاني الخير والبركة،
فقول المصاب “إنا لله”، توحيد وإقرار بالعبودية والملك، وقوله: “وإنا إليه راجعون” إيمان بالبعث بعد الموت، وهي كلمات تعني اليقين بأن الأمر كله لله، وأنه لا ملجأ منه إلا إليه.
ويجب أن يعرف المصاب ويوقن بأن نفسه وأهله وماله وولده ملك لله تعالى، وأن الله تعالى قد أعارها إياه وجعلها عنده، فإذا أخذها الله منه فإنه يكون قد استرد ما أعاره إياه، وأن مصير الإنسان ومرجعه هو إلى الله تعالى، بلا أهل ولا مال ولا ولد، ولكن يأتيه بالحسنات والسيئات.
المنزلة العالية لمن استرجع
قد يتحقق للإنسان بكلمات الاسترجاع منزلة عالية وثوابا جزيلا، والذي يسترجع عند المصيبة: عليه صلوات من ربه، ورحمة، وهو من المهتدين، كما جاء في قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155 – 157].
قال الشيخ السعدي في تفسيره تيسير الكريم الرحمن ص 75 وقد اختصرت كلامه:
قال تعالى: (وبشر الصابرين) أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.
ثم وصفهم بقوله: (الذين إذا أصابتهم مصيبة) وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما.
(قالوا إنا لله) أي: مملوكون لله، مدبرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين، بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراض عليه، فكون العبد لله، وراجع إليه، من أقوى أسباب الصبر.
(أولئك) الموصوفون بالصبر المذكور.
(عليهم صلوات من ربهم) أي: ثناء وتنويه بحالهم.
(ورحمة) عظيمة، ومن رحمته إياهم، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر.
(وأولئك هم المهتدون) الذين عرفوا الحق، وعلمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون.
المنهج الإسلامي في مواجهة المصائب
الصبر على المصائب
فيصبر المؤمن على المصيبة التي تنزل به، فلا بأتي بفعل أو قول يغضب الله تعالى: من لطم الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بدعوة الجاهلية، قال صلى الله عليه وسلم: (ليسَ مِنَّا مَن ضَرَبَ الخُدُودَ، وشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعَا بدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ)[رواه البخاري].
والموت مصيبة عظيمة، ولكن كل مصيبة مهما عظمت فيقابلها أجر لمن صبر على شدتها، فينبغي عند وقوعها الصبر عليه، وترك الاعتراض على قدر الله سبحانه.
وفي هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم الآداب التي يجب أن يتحلى بها المسلمون عند تعرضهم لمصيبة أو ابتلاء، فيخبر أنه ليس متأسيا بسنتنا، ولا مقتديا بنا، من أظهر الجزع والحزن والسخط على قدر الله في أفعاله، فضرب وجهه بيديه، وشق ثيابه من شدة الجزع، وناح على الميت كما كانوا يفعلون في الجاهلية؛ من التعديد وذكر مناقب للميت بما ليس فيه.
احتساب المصيبة والصبر عليها
فينبغي أن يلتمس الأجر من الله تعالى في هذا الصبر، فيصبر ابتغاء موعود الله من الأجر والثواب ويصبر لأن الله أمره بالصبر، فقال عز وجل: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان: 17]،
فإن الله تعالى وعد بالأجر العظيم على الصبر على المصائب، ولكن بشرط أن يكون الصبر ابتغاء وجه الله تعالى، كما قال عز وجل (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) [الرعد: 22]، فينبغي أن يكون الصبر لله تعالى.
تهوين المصيبة على النفس بتذكر وفاة النبي
فإن وفاته وانقطاع وحي السماء من أعظم المصائب التي نزلت بالأمة، وإذا تذكر المصاب بمصيبة ما تلك المصيبة العظيمة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهون ذلك عليه مصيبته التي نزلت به،
فإن المصيبة العظيمة لا تهون إلا بالنظر إلى ما هو أعظم منها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أصابَ أحدَكُم مُصيبةٌ ، فليذكُر مُصيبتَهُ بي ، فإنَّها من أعظَمِ المَصائبِ)[رواه الطبراني وصححه الألباني].
الإيمان بالقضاء والقدر
فإن المسلم متى ما أيقن إن هذه المصائب مكتوبة ومقدرة، فهي لابد كائن واقع لا محيد عنه، وأن لله تعالى حكمة في تقدير هذه المصائب، كلما تذكر هذه الأمور هانت عليه المصائب،
قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 22، 23].
والمؤمن الصابر المسترجع في المصيبة مباين لحال أهل الكفر والنفاق الذين يجزعون ولا يصبرون، فليوطن المؤمن نفسه على الشكر في العافية والسراء، وعلى الصبر في البلاء والضراء، وليتسلح بالصبر والاسترجاع؛ وسرعان ما يجد المصاب أثرهما على قلبه بالرضا والفرح والسرور رغم عظم المصاب، (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن: 11].
الاسترجاع في مصائب الدين
المصيبة في الدين هي أعظم المصائب، وتكون المصيبة في الدين عامة وخاصة، ومن العامة: شيوع البدعة والمعصية، ومن مصائب الدين موت العلماء الربانيين؛
وكذلك الاسترجاع عند مخالفة السنة؛ لأن مخالفتها سبب في إماتتها، وبموت السنن تظهر البدع، ويفشو الجهل، ويعبد الله تعالى بغير ما شرع سبحانه، ومن مصائب الدين ما يكون خاصا بالعبد، كالتفريط في طاعة، أو وقوعه في معصية، أو فوات خير يطلبه.
الاسترجاع في مصائب الدنيا
مصائب الدنيا يسترجع فيها سواء كانت عامة؛ كغرق أو هدم أو وباء، أو كانت خاصة كفقد حبيب، أو تلف مال، أو خسارة تجارة، أو غير ذلك، فحري بمن صبر واستسلم لقدر الله تعالى وبادر بالاسترجاع أن يعوضه الله تعالى خيرا مما فقد، ومهما استصغر العبد مصيبته فإن استرجاعه فيها خير له؛ إذ يمتثل أمر الله تعالى، ويذكره بالاسترجاع.