إن من أوجب الواجبات على العبد معرفة توحيد الله عز وجل؛ ذلك لأن التوحيد هو الأصل والأساس لدين الإسلام الذي لا يقبل الله عملاً إلا به، والتوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله.
تعريف التوحيد
والتوحيد في اللغة: مأخوذ من وحد الشيء أي جعله واحداً.
أما المعنى الشرعي للتوحيد فهو: إفراد الله تعالى بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.
ويعرف الإمام ابن القيم -رحمه الله- التوحيد بقوله: (ليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه: لا خالق إلا الله، وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان عباد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون،
بل التوحيد يتضمن محبة الله، والخضوع له، والتذلل على بابه، وكمال الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال، والمنع والعطاء، والحب والبغض، مما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها).
أصول التوحيد
وللتوحيد ثلاثة أصول:
- توحيد الربوبية.
- توحيد الأسماء والصفات.
- توحيد الألوهية.
توحيد الربوبية
الربوبية مشتقة من الرب، وتعني إفراد الله -تعالى- بالخلق والملك والتدبير، فلا خالق في الوجود إلا الله تعالى، ولا مالك للكون سواه، ولا مصرف لشؤون الخلق والكون سواه.
فهو مقسم الأرزاق، وهو المحيي والمميت، ويطلق عليه توحيد أفعال الرب تبارك وتعالى، والكفار أقروا بهذا النوع من التوحيد، على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أخبر الله عنهم فقال تعالى:
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)[يونس:31].
ويخبر عنهم جل وعلا فيقول: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [الزخرف:9]،
ويخبر الله عنهم أيضاً فيقول: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) [المؤمنون:84-87]
ويخبر عنهم أيضاً فيقول: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [الزخرف:87]،
فالكافر مقر بأن الله تعالى هو الخالق والمالك للكون، ولكن هذا الإقرار لا يجعله مسلماً إلا إذا اقترن هذا الإقرار بكلمة التوحيد، لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سوى الله، ويتعلق هذا النوع من التوحيد بالأُمور الكونية.
ومع الأسف الشديد ظهرت طائفة من الناس ينكرون وجود الله تعالى، ويسندون ما يحدث في هذا الكون إلى الطبيعة، أو إلى الصدفة، رغم أنهم رأوا من آيات الله تعالى في الكون، وفي أنفسهم؛ من إحكام ودقة في الخلق، ما يشهد بوجوده تعالى، وأنه هو الخالق الحكيم.
توحيد الأسماء والصفات
الأصل الثاني: توحيد الأسماء والصفات: ويكون بالإيمان بجميع ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من أسماء الله، أو صفاته التي اتصف بها أو وصفها بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- مع إثبات الكمال لله في جميع هذه الصفات.
فيقر بأن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، السميع البصير، القوي العزيز، اللطيف الخبير، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، الرحمن على العرش استوى، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، الذي قال وقوله الحق:
(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء:110] ، وهذا التوحيد لا يكفي أيضاً في الدخول في الإسلام، بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه من توحيد الربوبية والألوهية.
توحيد الألوهية
الأصل الثالث: توحيد الألوهية: وهو أصل الدين، وأساس شرائع الإسلام، وهو في اللغة كما قال ابن فارس: ”الهمزة واللام والهاء، أصل واحد، وهو التعبد، فالإله، الله -تعالى-، وسمي بذلك؛ لأنه معبود، ويقال: تأله الرجل: إذا تعبّد”،
وفي الاصطلاح: هو “إفراد الله بالعبادة: قولا، وقصدا، وفعلا، فلا ينذر إلا له، ولا يدعى في السراء والضراء إلا إياه، ولا يستغاث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، إلى غير ذلك من أنواع العبادة”.
وهذا النوع الذي أرسل الله تعالى به رسله وأنكره الكفار في كل زمان، قال تعالى:
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)،[النحل: 36].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حَقُّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) رواه البخاري، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى)البخاري.
أركان توحيد الألوهية
وتوحيد الألوهية له ركنان:
نفي الشريك
أي نفي كل المعبودات سوى الله تعالى فهو المستحق وحده للعبادة.
إثبات الوحدانية
يعني إثبات أن الله تعالى وحده المستحق للعبادة، وهذا هو معنى “لا إله إلا الله”، نفي الألوهية عن كل أحد، ثم إثباتها لله تعالى، يقول الله تعالى:
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36] فدلت هذه الآية على أنه لابد في التوحيد من النفي والإثبات، فتثبت العبادة لله وحده، وتنفي عبادة ما سواه،
وهو معنى قوله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256].
العلاقة بين أصول التوحيد الثلاثة
والعلاقة بين هذه الأصول الثلاثة الجامعة لأنواع التوحيد، تكاملية، ولا يجزئ الإيمان ببعضها عن الآخر، فلا يصح توحيد الربوبية من دون توحيد الأُلوهية، كما أنه لا يصح توحيد الأُلوهية من غير توحيد الربوبية.
فأي خلل في أي قسم من هذه الأقسام يؤدي إلى خلل في التوحيد كله، فمن آمن بتوحيد الربوبية، وأن الله هو واحد ومنزه عن الشريك والولد، لزمه من هذا الإيمان إفراد الله تعالى وحده بالعبادة.
فما دام هو الإله فلا يَصح أن يُعبد غيره أبداً، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).
أما توحيد الأسماء والصفات فهو شامل لتوحيد الربوبية والأُلوهية، ويقوم على إفراد الله بأسمائه وصفاته التي لا تنبغي لأحد غيره.