نتعرف معا في هذا المقال عن كيف يكون حسن الظن بالله تعالى ، فهو قوة اليقين بما وعد الله تعالى عباده من سعة كرمه ورحمته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، في الحديث القدسي: يقول الله تعالى: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» [متفق عليه].
ظن بالله خيرا
من ظن بالله خيرا أفاض عليه الخير، فالله جل جلاله يعامل عباده على حسب ظنهم به، وحسن الظن بالله تعالى لا يكون معه ترك واجب، ولا فعل معصية، فالمؤمنون بربهم يحسنون العمل، ويحسنون الظن بربهم أنه يقبل منهم، ويحسنون الظن بربهم عند موتهم أنه يرحمهم.
حسن الظن بالله عبادة
حسن الظن بالله من العبادات الجليلة التي ينبغي أن يملأ المؤمن بها قلبه في جميع أحواله، في حياته، في رزقه، في صلاح أولاده، في إجابة دعائه، في مغفرة ذنبه، في كل شيء.
فبحسن الظن بالله يوقن المؤمن أن بعد العسر يسرا، وبعد المرض شفاء، وبعد الدنيا جنة عرضها السماوات والأرض.
فإذا دعوت فظن بالله خيرا أنه سيستجيب دعاءك، وإذا أنفقت في سبيل الله فظن بالله خيرا أنه سيخلف عليك، وإذا تركت شيئا لله فظن بالله خيرا أنه سيعوضك خيرا مما تركت، وإذا استغفرت فظن بالله خيرا أنه سيغفر لك، وسيبدل سيئاتك حسنات.
حسن الظن بالله مع الطاعة
إن حسن الظن بالله تعالى يعني اعتقاد أن الله تعالى يرحم عباده، ويعفو عنهم إن هم تابوا وأنابوا، ويقبل منهم طاعاتهم وعبادتهم.
عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم–: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي
وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» [متفق عليه].
في هذا الحديث القدسي يروي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه سبحانه وتعالى أنه يقول: «أنا عِندَ ظَنِّ عَبْدي بي»،
يعني: إن ظن بالله خيرا فله، وإن ظن به سوى ذلك فله، فالله سبحانه وتعالى على قدر ظن واعتقاد العبد فيه، وجزاؤه من جنس ما يظنه العبد في الله ثوابا أو عقابا، خيرا أو شرا،
فمن ظن بالله أمرا عظيما وجده وأعطاه الله إياه، أما أن يحسن الظن وهو لا يعمل، فهذا من باب التمني على الله، ومن أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني فهو عاجز.
ظن المقصر في الطاعات
حسن ظن من يعمل الطاعات يعتبر من حسن الظن بالله تعالى، وأما ظن المفرط في الطاعات والواقع في المعاصي: فهو من الشيطان.
ويجب أن يظن الإنسان بربه خيرا ويحسن الظن بربه، فالإنسان يجب عليه أن يمتثل أمر الله ويجتنب نهيه، ثم يظن بربه الظن الجميل الحسن أنه يجازيه ويعفو عنه.
قال الحسن البصري: إن قوما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ومالهم حسنة، ويقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وقد كذب، ولو أحسن الظن لأحسن العمل، وتلا قول الله: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [فصلت: 23].
حسن الظن بالله عند الأزمات
الاستعانة بالله سبحانه وتعالى وحسن الظن به يفرج الهموم، عند الأزمات، وكثرة الفتن، وتقلب الأمور، وغلبة الديون، وضيق العيش.
فعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ)[رواه الترمذي وصححه الألباني].
في هذا الحديث يبين الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أن من نزلت به حاجة شديدة؛ من ضيق في العيش أو غيره، فطلب من الناس ما يرفع عنه حاجته، لم ترفع عنه تلك الحاجة؛ فقد سأل واعتمد على من لا يملك له نفعا ولا ضرا،
ومن نزلت به حاجة شديدة؛ من ضيق في العيش أو غيره، فسأل الله أن يرفعها، فهو قريب من الفرج بإذن الله؛ بأن يرزقه الله ما يسد به حاجته، فعلى المسلم حسن التوكل على الله، وعدم الركون إلى الناس.
حسن الظن بالله عند الدعاء
حسن الظن بإجابة الدعاء، يكون بقوة اليقين بأن الله تعالى يجيب الداعي؛ حيث قال عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة: 186]،
لكن إن تأخر إجابة الدعاء، فلا يقنط من رحمة الله تعالى وسعة كرمه؛ فإن في القنوط سوء ظن بالله تعالى، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)[الحجر: 56].
حسن الظن بالله عند الاحتضار
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاثة أيام يقول: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ)[رواه مسلم].
يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته بثلاثة أيام، أنه لا ينبغي أن يموت المؤمن وهو قانط من رحمة الله، بل عليه أن يحسن الظن بالله، وذلك لئلا يغلب عليه الخوف حينئذ، فيغلب عليه اليأس والقنوط فيهلك،
ومن حسن ظن المؤمن بالله تعالى أن يعمل الصالحات، ويجتنب السيئات، ويرجو الثواب والأجر من الله.
حسن ظن يعقوب عليه السلام
أكمل الناس في حسن ظنهم بالله هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهم أعلم الخلق بربهم ولطفه بعباده، فيعقوب عليه السلام يفقد ابنه يوسف عليه السلام، ثم يفقد ابنه بنيامين، ثم يتأخر كبير أولاده، فلم يقدم مع إخوته، وتخلف عنهم في مصر،
ولا يزال يعقوب يحسن الظن بربه ويبذل الأسباب لرجوع أولاده الثلاثة؛ يقول الله تعالى: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[يوسف: 87 ]، ثم في نهاية الأمر لم يخب حسن ظنه بربه، فرد عليه أولاده وهم على أكمل حال.
حسن ظن موسى عليه السلام
وموسى عليه السلام كليم الله، في قصته مع فرعون وجنوده، حين أراد الخروج من مصر، واتبعه فرعون وجنوده، ظن قوم موسى عليه السلام أنهم هالكون لا محالة.
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: 61]، فأسباب النجاة معدومة، وأسباب الهلاك محققة؛ لكن يبقى حسن الظن بالله متيقنا، فقال موسى عليه السلام: (كلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62]،
وهنا أتى الفرج؛ قال الله تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 63-67].
حسن ظن محمد صلى الله عليه وسلم
خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة مهاجرا مختفيا، فيختفي في الغار ويطلبه كفار مكة حتى لم يبق بينه وبينهم إلا خطوات، ومع ذلك يبقى محسنا الظن بربه، فتعمى أبصارهم عنه وعن صاحبه؛ يقول تعالى:
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 40].
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: (قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا) [متفق عليه].
فمن اعتصم بالله تعالى كفاه؛ ومعيته تعالى هي المعية الحقيقية، وكان -صلى الله عليه وسلم- يحسن الظن بربه، في كل وقت وحين، وفي هذا الحديث يروي أبو بكر الصديق رضي الله عنه، أنه لما اقترب المشركون من النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر رضي الله عنه، وهما في غار ثور أثناء هجرتهما إلى المدينة،
وخشي أبو بكر رضي الله عنه من رؤيتهما لهما لقربهما الشديد؛ فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا»، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟!» فالله معنا بنصره ولطفه.
حسن الظن بالله للعصاة
ليحسن العصاة الظن بالله فترجى توبتهم، لأن العاصي إذا قنط من رحمة الله تعالى، تمادى في المعصية، وتمادى في غيه، يبدو هذا الأمر جليا في الحديث المشهور الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
(كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً،
ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ
فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ،
فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ)[متفق عليه].