أولى الإسلام مرحلة الشيخوخة عناية خاصة؛ وذلك لأن الإنسان يصل إلى مرحلة من الضعف البدني والعقلي مما يجعله في حاجة دائما للعون من الآخرين.
توقير الكبير واحترامه
كان من الوصايا التي أوصانا رسول الله بها هي أن نوقر الكبير ونحترمه، وجعل هذا من تعظيم الله.
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)[أبو داود]
من جملة تعظيم الله ومن السنة أن نوقر أربعة: ذا الشيبة، وحامل القرآن غير الغالي فيه، وغير الجافي له، وإكرام السلطان العادل.
ومعنى غير الغالي في القرآن والجافي فيه أي الذي يسير على القصد والاعتدال في الأمور فخير الأمور أوسطها.
توسعة المجلس للكبير
من الآداب التي أدبنا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نحترم الكبير، وأن نوسع له في المجلس احتراما لسنه وتوقيرا له.
عن أنس بن مالك قال: جاء شيخ يريد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا)[الترمذي]
فهذ الحديث فيه تعليم من النبي -صلى الله عليه وسلم- لنا أن نتعامل مع الناس بما يليق بحالهم فيعطي الصغير حقه من الرفق والرحمه، ويعطي الكبير حقه من الاحترام والتوقير.
قال الحافظ العراقي: “فيه التوسعة للقادم على أهل المجلس إذا أمكن توسعهم له سيما إن كان ممن أمر بإكرامه من الشيوخ شيبا أو علما أو كونه كبير قوم كما في حديث جرير المار إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه”.
تقدير الكبار والذهاب إليه
عن أسماء بنت أبي بكر قالت: فلما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، ودخل المسجد، أتاه أبو بكر بأبيه، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه).
قال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه، قال: فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال له: (أسلم). فأسلم. أحمد
حسن استقبال كبار السن
عن عائشة، قالت: جاءت عجوز إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عندي، فقال: لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أنت؟) قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: (بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟)
قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟
فقال: (إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان)المستدرك
ممازحة النبي للكبار
عن الحسن قال: أتت عجوز إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة.
فقال: (يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز). قال: فولت تبكي. فقال:
(أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول: إنا أنشأناهن إنشاء. فجعلناهن أبكارا. عربا أترابا)[مختصر الشمائل]
التبشير برحمة الله
عن عمرو بن عبسة قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- شيخ كبير يدعم على عصا له، فقال: يا رسول الله، إن لي غدرات وفجرات، فهل يغفر لي؟
قال: (ألست تشهد أن لا إله إلا الله؟) قال: بلى، وأشهد أنك رسول الله، قال: (قد غفر لك غدراتك وفجراتك)[أحمد]
والغدر هو الخيانة والفجور وهو إتيان المعاصي وعدم المبالاة بفعلها فالرجل يخبر رسول الله أنه كان في الجاهلية له غدرات وفجرات فهل يغفرها الله له بعد إسلامه؟ فبشره رسول الله بأن الله قد غفر له.
تقديم الكبير ليتصدر المجلس
كان من الآداب التي أمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقديم الكبير في تصدر المجلس ليتكلم قبل الصغير.
عن سهل بن أبي حثمة قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر، وهي يومئذ صلح، فتفرقا،
فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا، فدفنه ثم قدم المدينة،
فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال: (كبر كبر). وهو أحدث القوم، فسكت فتكلما،
فقال: (تحلفون وتستحقون قاتلكم، أو صاحبكم). قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: (فتبرئكم يهود بخمسين). فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار، فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده.[البخاري]
ومعنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: كبر كبر. أي قدم الأكبر في السن ليتكلم أولا وهذا من أدب الإسلام.
قال المهلب: “تقديم ذى السن أولى فى كل شى ما لم يترتب القوم فى الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة تقديم الأيمن فالأيمن من الرئيس أو العالم، على ما جاء فى حديث شرب اللبن”.
تحذير الكبار من الحرص على الدنيا
كان رسول الله دائما ما يبين أن الكبير كثيرا ما يغتر بالدنيا بالحرص على المال والتشبث بالدنيا.
عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر)[مسلم]
فالإنسان بطبعه مجبول على حب الشهوات، قال الله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ).
فحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن ينسى نفسه وينغمس في شهوات الدنيا التي تنسيه آخرته.