الإحسان أهميته وصوره وضرورته للفرد والجماعة

الإحسان خلق عظيم، وأدب رفيع، ومنزلة عالية وراقية من مراتب ودرجات الدين، وهو ضد الإساءة.

قول ابن تيمية عن الإحسان

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الدين ثلاث درجات: أعلاها الإحسان، وأوسطها الإيمان، ويليه الإسلام، فكل محسن مؤمن، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مؤمن محسنا، ولا كل مسلم مؤمنا).

تعريف الإحسان لغة واصطلاحا

الإحسان لغة ضد الإساءة، مصدر أحسن أي جاء بفعل حسن.

والإحسان اصطلاحًا: نوعان:

إحسان في عبادة الخالق

بأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، فيبلغ به اليقين والإيمان بالله كأنه يشاهده عيانا ليس عنده تردد أو شك.

وإحسان في حقوق الخَلْق

وهو بذل جميع المنافع من أي نوع كان، لأي مخلوق يكون، ولكنه يتفاوت بتفاوت المحْسَن إليهم، وحقهم ومقامهم، وبحسب الإحسان، وعظم موقعه، وعظيم نفعه، وبحسب إيمان المحسن وإخلاصه، والسبب الداعي له إلى ذلك.

الإحسان في القرآن والسنة

أمر الله عباده بالإحسان وشدد على أهميته وضرورته للفرد والجماعة على السواء بقوله تعالى:

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ( سورة النحل : 90).

وقد قرأ الحسن البصري هذه الآية ثم وقف فقال: “إن الله جمع لكم الخير كله والشر كلَّه في آية واحدة،

فوالله ما ترك العدل والإحسان شيئًا من طاعة الله -عز وجل- إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئًا إلا جمعه”.

وقال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [القصص: 77]،

قال الشَّوكاني في تفسير هذه الآية: “أي: أحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك بما أنعم به عليك مِن نعم الدنيا”،

وقال -عز وجل- مبينًا محبته لأهل الإحسان: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:148] .

الجزاء من جنس العمل

من فضل الله ومنته أنه جعل الجزاء من جنس العمل، ومن ذلك أنه جعل ثواب الإحسان إحسانًا، كما قال – سبحانه وتعالى -: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)  [الرحمن: 60].

فمن أحسن عملاً أحسن الله جزاءه، وأنزله أعلى المنازل وأفضلها، قال – سبحانه وتعالى -: (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 58].

الإحسان في كل شيء

بلغت شدة عناية السنة النبوية بالإحسان أن أوجبت الإحسان في كل ميدان، وعلى كل شيء، فعن شدَّاد بن أوس قال:  ثنتان حفظتهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

(إنَّ الله كتب الإحْسَان على كلِّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليُحِدَّ أحدكم شَفْرَتَه، فليُرح ذبيحته ) رواه مسلم-

صور الإحسان

الإحسان له معاني أوسع من كونه مجرد إحسان العبادة لله تعالى، فهو يتجاوز هذا المعنى إلى آفاق ومعان أخرى تشمل الأخلاقيات والسلوكيات الحياتية كافة، وصور الإحسان كثيرة وعديدة ومن أهمها:

الإحسان في عبادة الله

وذلك بأن تأتي بها على وجهها المشروع دون زيادة ولا نقصان، ويكون إيقاع تلك العبادة على مقام المشاهدة أو المراقبة، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

الإحسان إلى الوالدين

فالمسلم مأمور ببر والدايه والإحسان إليهما قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الإسراء: 23].

ويكون ذلك بطاعتهما، واجتناب معصيتهما في غير مخالفة لأمر الله، ويكون بالإصغاء إليهما، والإقبال عليهما إذا تحدثا،

وترك مقاطعتهما أو منازعتهما الحديث أو تكذيبهما، والتلطلف بهما، والفرح بأوامرهما، والحذر من التأفف والتضجر منهما،

ويكون كذلك بكثرة الدعاء والاستغفار لهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإنفاذ عهدهما، والتصدق عنهما بعد وفاتهما.

الإحسان إلى الجار

ولقد أمر الله بالإحسان إلى الجار، فقال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) [النساء: 36].

وعن أبي شريح الخزاعي أن النبي قال: (مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، .. )مسلم

ويكون الإحسان إليهم بإكرامهم وكف الأذى عنهم، وتحمل ما يصدر منهم، والبشر في وجوههم، وغير ذلك من وجوه الإكرام.

الإحسان إلى اليتامى والمساكين

وذلك يكون بإكرامهم والعطف عليهم، والمحافظة على حقوقهم والقيام بتربيتهم، ومد يد العون لهم، قال تعالى:

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) [البقرة: 83] .

الإحسان في المعاملات التجارية

ويتمثل الإحسان في المعاملات التجارية بعدة أمور، منها: الصدق في البيع، وعدم الغش، والابتعاد عن البيوع الفاسدة،

وحفظ اللسان عن كثرة القسم في البيوع، وصون المعاملة عن الاحتيال والخديعة، وصون المعاملة عن عدم الوفاء بالمواعيد،

والقناعة والرضا، وحسن الظن بالله واليقين بما قسمه الله -تعالى- من الأرزاق.

ومن صور الإحسان في المعاملات التجارية كذلك كما ذكر الإمام الغزالي ، تورع البائع عما يبذله المشتري من زيادة على الربح المعتاد.

وأن يرضى المشتري بالضرر إذا كان البائع فقيراً محتاجاً، وإمهال المتأخر في سداد الدين، والتنازل عن بعض الثمن لمن يراه محتاجاً.

ومن الإحسان أن يسد الدين لصاحبه قبل وقته إن وجد، وأن يسير إليه هو وليس أن يأتي صاحب الدين إليه ليأخذ ماله، وأن يقبل من يريد الرجوع عن البيع حتى ولو تمت المعاملة.

وأن لا يدون اسم الفقير في دفتر الديون والحساب أساساً، وإنما يخبره بأن يأخذ ما يريد وما يحتاج من سلعٍ فإن تيسر ثمن ما أخذ من سلع، دفع وأدى متى شاء، وإن لم تتيسر أموره؛ فهو مسامح وغير مطالب.

الإحسان إلى المسيء

فمن أجل صور الإحسان: الإحسان إلى من أساء إليك بقول أو فعل، قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصِّلت: 34].

الإحسان في القول

فالإحسان مطلوب من المسلم في القول، فلا يخرج منه إلا الكلام الطيب الحسن، وقد أمرنا الله به فى غير موضع من القرآن الكريم، فقال جل وعلا:

(وَقُلْ لِعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (الإسراء:53).

فالكلام الطيب والقول الحسن مما يأسر النفوس ويجبر الخواطر ويزيل الحواجز، ويقول ابن رجب ـ رحمه الله – :

(وربما كان معاملة الناس بالقول الحسن أحب إليهم من إطعام الطعام والإحسان بإعطاء المال).

الإحسان إلى الحيوانات

ويتمثل ذلك في إطعامها، وتحريم اتخاذها هدفا للرمي، والإحسان إليها حتى عند الذبح، وإنقاذها إن كانت في محنة أو مأزق كمن سقط من الحيوانات في بئر أو حفرة أو غرق، واستخدامها بالمعروف.

فما أجمل أن نعيش بالإحسان بشتى صوره ومختلف أشكاله، في جميع الحالات، وكافة التصرفات، فأهل الإحسان هم السعداء الفائزون بمحبة الله، ومعيته، ورعايته، ورحمته.

Exit mobile version