موضوعات اسلامية

الجانب الإنساني في الحضارة الإسلامية

تميزت الحضارة الإسلامية وانفردت بعدة خصائص وسمات، جعلتها تختلف عن غيرها من الحضارات التي مرت في التاريخ البشري الطويل،

أهم خصائص الحضارة الإسلامية

لعل من أبرز خصائص الحضارة الإسلامية أنها حضارة إنسانية قامت على أساس الاعتقاد بأن الإنسان أهم مخلوقات الله، فكرمته ورفعت من شأنه.

لقد قضت الحضارة الإسلامية على حواجز الجنس، واللون، واللغة، وجعلت الناس سواسية، واحتضنت جميع الشعوب والأمم، فلم تقتصر على جنس بشري أو إقليم جغرافي معين،

بل ركزت جل اهتمامها على الإنسان من حيث هو إنسان، في أي أرض كان، وبأي لون كان، وبأي لغة يتكلم، فكانت بحق حضارة إنسانية عالمية.

المبادىء الإنسانية للحضارة الإسلامية

يقوم الجانب الإنساني في الحضارة الإسلامية على مجموعة من المبادئ منها:

مبدأ المساواة الإنسانية

الإسلام دين يحترم الإنسان ويكرمه من حيث هو إنسان؛ لا من أي حيثية أخرى، الإنسان من أي سلالة كان، ومن أي لون كان،

من غير تفرقة بين عنصر وعنصر، وبين قوم وقوم، وبين لون ولون، مسقطا كل أنواع التفرقة القبلية والعنصرية والقومية واللونية.

يقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13).
فالاختلاف أو التفاوت بين الناس لا يجعل لواحد منهم قيمة إنسانية أكبر من قيمة الآخر، بسبب جنسه، أو لونه، أو حسبه، أو ثروته، أو عمله، أو طبقته، أو أي اعتبار آخر.

فالقيمة الإنسانية واحدة للجميع، فالعربي إنسان، والعجمي إنسان، والأبيض إنسان، والأسود إنسان، والحاكم إنسان، والمحكوم إنسان، والغني إنسان، والفقير إنسان، ورب العمل إنسان، والعامل إنسان، والرجل إنسان،

والمرأة إنسان، والحر إنسان، والعبد إنسان، ومادام الكل إنسانا فهم إذن سواسية كأسنان المشط الواحد.

ولقد وقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- خطيبا على عرفات في حجة الوداع، يعلن ويرسي مبدأ العدالة والمساواة الإنسانية بين الناس جميعا، ليقضي على كل ألوان التمييز العنصري.

قال -صلى الله عليه وسلم-  (أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلَّغت؟ اللهم فاشهد)مسلم

ولم تكن هذه الكلمات مجرد فلسفة، أو أفكار نظرية، أو أحلام خالية، بل طبقها الرسول الكريم تطبيقا عمليا.

فمن روائع مواقفه الإنسانية -صلى الله عليه وسلم- موقفه لما مرت عليه جنازة رجل يهودي؛ فعن قيس بن سعد، وسهل بن حنيف، كانا بالقادسية، فمرت بهما جنازة، فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض؟‏

فقالا: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرت به جنازة فقام، فقيل: إنه يهودي؟!‏ فقال: (أليسَتْ نفسًا؟)مسلم

مبدأ لا إكراه في الدين

من سماحة شريعتنا الإسلامية الغراء أنها كفلت حرية الاعتقاد لكل إنسان، فالإكراه يقهر النفس الإنسانية، وهذا ما يأباه الإسلام، فلا إكراه في الدخول إليه؛

لأن العقيدة لا تبنى ولا ترسخ إلا عن قناعة ويقين واطمئنان قلب، من أجل ذلك كانت الحكمة الإلهية بعدم الإكراه قال تعالى:

(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ)(البقرة:256)، وقال تعالى: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوامُؤْمِنِينَ) (يونس:99).

والممارسة العملية للمسلمين على مدار التاريخ تشهد بتطبيق ما جاءت به النصوص القرآنية في ترك حرية الاعتقاد، واحترام عقائد المخالفين.

يقول غوستاف لوبون في مجلة التمدن الإسلامي: “إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم، وبين روح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى،

وإنهم مع حملهم السيف فقد تركوا الناس أحرارا في تمسكهم بدينهم، وكل ما جاء في الإسلام يرمي إلى الصلاح والإصلاح ، والصلاح أنشودة المؤمن، وهو الذي أدعو إليه المسيحيين).

مبدأ تحقيق العدالة للجميع

لقد رفع الإسلام راية العدل في كل مكان ودعا وأمر بالعدل والإنصاف مع المخالفين فقال سبحانه وتعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة :8).

قال: ابن كثير -رحمه الله- في تفسير الآية (أى لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل فى كل أحد، صديقا كان أو عدوا).

فالمسلم الحق يعدل في معاملة المخالفين وإن كانوا أعداء، فالعدل مع جميع الناس واجب ومطلوب.

لقد تعلم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منه مبادئ العدل والقسط، مع مخالفيهم وطبقوا ذلك في حياتهم.

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- : أنه قال: أفاء الله -عز وجل- خيبر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

فأقرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما كانوا، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه- فخرصها عليهم، ثم قال لهم:

يا معشر اليهود ! أنتم أبغض الخلق إلي، قتلتم أنبياء الله -عز وجل-، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم، قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر، فإن شئتم، فلكم، وإن أبيتم، فلي.

فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض ، قد أخذنا ، فاخرجوا عنا” رواه أحمد

فعبد الله بن رواحة -رضي الله عنه- مع بغضه لليهود؛ تحرى الحق والعدل معهم، وهذا من الإنصاف مع المخالف.
فما أحوج البشرية اليوم إلى هذه المبادىء الإنسانية السامية التي أرستها الحضارة الإسلامية، حتى يسود العالم الحب، والسلام، والوئام، وتحقن الدماء.

وتتحقق العدالة والمساواة المفقودة في عالم اليوم، والذي يشهد انحداراً ملحوظاً في المعاني الإنسانية.

فما أحوحنا نحن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الإنسانية في التعامل مع الكبير، والإنسانية في التعامل مع الصغير،

والإنسانية في التعامل مع النساء، والإنسانية في التعامل مع الحيوانات، والإنسانية في التعامل مع غير المسلمين، والإنسانية في تعامل الطبيب مع مرضاه، والإنسانية في تعامل صاحب العمل مع عماله،

والإنسانية في تعامل الموظفين والمسئولين والإداريين مع الجماهير وقضاء حوائجهم، فنحن في أشد الحاجة إلى أن نجسد الإنسانية في مختلف نواحي الحياة.

مواضيع ذات صلة