إذا أراد الإنسان أن يحفظ على نفسه عافيته، ويؤدي شكرها لله، عليه أن يستغلها في طاعة الله عز وجل؛ ليزيد الله له فيها، ويحفظها عليه، فيحفظ أوامر الله.
الأسباب المعنوية للعافية
قد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظُكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدُهُ تُجَاهَكَ﴾ (أخرجه الترمذي)، أي: احفظ أوامر الله ونواهيه، يحفظ الله جوارحك من كل مكروه وسوء.
فهلا فقه أصحاب العافية، الكيفية الصحيحة لشكر نعمة العافية، فيغض بصره عن محارم الله، ويكف يده عن أذى خلق الله، ولسانه عن الوقوع في أعراض العباد، وحفظ بدنه عن السهر في غير ما يرضي الله عز وجل.
فكن ممن يصرفون نعمة الصحة والعافية في طاعة الله، قبل أن يأتيك يوم يفاجئك المرض، ثم لا تستطيع العمل كما كنت صحيحا معافى، لذلك عليك أن تغتنم عافيتك، وصحتك فيما ينفعك؛
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ﴾ (أخرجه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم، لرجل وهو يعظه: ﴿اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ﴾ (أخرجه الحاكم)
إن نعمة الصحة من أجل نعم الله على عباده، ولا يعرف حلاوتها، إلا من ذاق مرارة الأوجاع والأسقام،
ومن واجب كل مسلم أن يحافظ على هذه النعمة، ويحرص عليها من التبديل والتغيير، بإساءة التصرف، وإلا حل به العقاب، جزاء وفاقا، بمقتضى سنن الله الثابتة، يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [ البقرة: ٢١١ ].
الأسباب الحسية لنعمة العافية
وهذه الأسباب تتلخص في مجموعة من الأحكام والآداب التي تحفظ على الإنسان حياته، وكرامته، وتقيه مما يؤذي عافيته ومنها:
الحث على النظافة والطهارة
حث الإسلام على الاعتناء بنظافة البدن بصفة دائمة، فأوجب الاغتسال عند حدوث الجنابة للرجل، أو المرأة، وبعد انقطاع دم الحيض، والنفاس للمرأة،
كما سن الاغتسال أيام الجمع والأعياد، وعند لبس الإحرام، ودخول مكة، والطواف، وأخبرنا الله تبارك وتعالى، أنه يحب التوابين، ويحب المتطهرين،
فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، فالله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، وجعل النظافة شطرا من الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم: ﴿الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ﴾ (أخرجه مسلم (223).
ولأن الإسلام دين الفطرة فأمر صلى الله عليه وسلم، بسنن الفطرة، فقال صلى الله عليه وسلم: ﴿الْفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ﴾ (أخرجه البخاري (5889) ومسلم (257).
وفي شريعة الإسلام فإن المتساهل بنجاسة البول، أو الغائط، يعذب في قبره كما في حديث المعذبين في قبرهما،
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ﴿مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ. وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ،
أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ. قَالَ: فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا﴾ (أخرجه البخاري (216) ومسلم (292).
وجعل السواك سنة، فقال صلى الله عليه وسلم: ﴿لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ﴾،(أخرجه البخاري)،
وقال: ﴿السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ﴾، (أخرجه النسائي (5) وصححه الألباني).
ولم يكتف الإسلام بنظافة الإنسان الشخصية، بلا تعداها ليشمل المكان الذي يجلس فيه، والبيئة التي تحيط به ويعيش فيها،
فقال صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّ اللَّهَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، فَنَظِّفُوا أَفْنَيْتُكُمْ، وَلَا تُشَبِّهُوا بِالْيَهُودِ﴾ (أخرجه الترمذي: (2799)، وضعفه الألباني).
وللمحافظة على البيئة العامة، حرم على المسلم أن يبول في الماء الراكد فقال صلى الله عليه وسلم: ﴿لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ﴾ (أخرجه البخاري).
النهي عن الإسراف في المطعم والمشرب
ونهاه عن الإسراف في المطعم والمشرب، لما في الإسراف من تهديد للصحة، وإضرار بالإنسان، فقال الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [ الأعراف: ٣١ ].
ويقول صلى الله عليه وسلم: ﴿مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ﴾ (أخرجه الترمذي: (2380) وصححه الألباني).
وروى الترمذي في سننه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، أن رجلا تجشأ عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا، أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (أخرجه الترمذي: (2478) وحسنه الألباني).
تحريم الأشربة المضرة
ولتحقيق مبدأ الوقاية قبل العلاج، فقد حرم الإسلام بعض الأشربة، وبعض الأطعمة، قال تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧]، فحرم كل مسكر ومفتر، كالخمر والمخدرات،
فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: ٩٠]،
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ؛ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ﴾ (أخرجه النسائي: (5666) وقال الألباني: صحيح موقوف).
تحريم الأطعمة المضرة
كما حرم الإسلام الأطعمة المضرة، والتي تنقل العدوى، فحرم أكل لحوم الميتة، والدم، وأكل لحم الخنزير، والسباع، والطيور الجارحة، وأكل الحيوانات والطيور التي تتغذى على القاذورات،
وقد أثبت العلم أن هذه الحيوانات ولحومها، تشكل بؤرا لتجمعات هائلة وخطيرة من الكائنات الدقيقة الفتاكة، قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾[ المائدة: ٣ ].
النهي عن مخالطة أصحاب الأمراض المعدية
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بعافية المسلم أنه منعه من مخالطة أصحاب الأمراض المعدية، فقال صلى الله عليه وسلم: ﴿فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ﴾ (أخرجه البخاري (5707)، وقال صلى الله عليه وسلم: ﴿لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ﴾ (أخرجه البخاري (٥٧٧١ ) ومسلم (2221).
الترغيب في التداوي والعلاج
ومن عناية الإسلام بصحة الإنسان، أنه رغبه بالتداوي والعلاج، وحثه على ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: ﴿مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا وَقَدْ أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ﴾، (أخرجه ابن ماجه: (3438)، وحسنه الألباني).
وقال صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ﴾، (أخرجه أبو داود (3874) وضعفه الألباني)، فالعلاج مطلوب ومشروع، لما فيه من المحافظة على الصحة والسلامة.
النهي عن الغلو في العبادات
ومن مظاهر اعتناء الإسلام بصحة الإنسان، أنه نهاه عن الغلو في العبادات، التي يؤدي الغلو فيها إلى إنهاك الجسد، والإضرار به؛ لأن العبادة لا بد أن يصيب العبد فيها الطمأنينة والراحة، وألا يسأم منها، ولا يتضجر منها؛ لكن إذا تكلف أمرا فوق طاقته، وإن أطاقه أياما تركه أعواما.
بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، أن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، يصوم النهار، ويقوم الليل، ويعتزل النساء، رغبة في الطاعة، ورغبة في الخير، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
﴿يَا عَبْدَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ﴾، (( فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ)) ﴿فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا﴾ (أخرجه البخاري (1975) ومسلم: (1159).