نماذج من عزة التابعين وتابعيهم رضي الله عنهم
من أوصاف الله تعالى وأسمائه الحسنى العزيز، أي: الغالب القوي الذي لا يغلبه شيء وهو أيضا المعز الذي يهب العزة لمن يشاء من عباده،
الله مصدر العزة
مصدر العزة: هو الله تعالى، فهو يذل من يشاء، ويعز من يشاء، وهو على كل شيء قدير، فمن كان يريد العزة فليقصد بالعزة الله سبحانه والاعتزاز به، فإنه من اعتز بالعبد أذله الله، ومن اعتز بالله أعزه الله.
تعريف التابعين
أما التابعون فهم كل من رأى الصحابي مؤمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
تعريف تابع التابعين
وتابع التابعين هو: من رأى التابعي مؤمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهم بعد الصحابة خير قرون الأمة لثناء الله تعالى عليهم بالإتباع بإحسان،
ولشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالخيرية، عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» (متفق عليه).
فالنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاضل بين المُسلِمين على أساسِ قُوَّةِ التدَيُّنِ وقوَّةِ الإيمانِ، وفي هذا الحديثُ بَيانٌ جَلِيٌّ لفَضلِ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم، وفَضْلِ التَّابعين وتابِعيهم، فالصَّحابةُ همْ أفضلُ المسلمينَ؛ لأنَّهم عاصَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ أخَذَ التَّابِعونَ العِلمَ مِنهمْ واقتدوا بهم، ونعرض في هذه المقالة صورا من عزة التابعين رضي الله عنهم.
طاووس اليماني واعظ الملوك
طاووس اليماني: هو طاووس بن كيسان اليماني الهمداني، وقد أخذ طاووس رضي الله عنه العلم من ثلة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم ابن عباس رضي الله عنهما،
وقال عنه ابن عباس: إني لأظن طاووسا من أهل الجنة، وكان من عباد أهل اليمن، ومن فقهائهم، ومن سادات التابعين، كان طاووس فقيها جليل القدر نبيه الذكر، وأصبح سيدا لأهل اليمن بعلمه.
وَلَهُ قِصَّةٌ مَعَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ: فحِينَ قَدِمَ هشام حَاجًّا إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا دَخَلَهَا، قَالَ: ائْتُونِي بِرَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ تَفَانَوْا،
قَالَ: فَمِنَ التَّابِعِينَ، فَأَتَوْهُ بِطَاوُوسٍ الْيَمَانِيِّ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، خَلَعَ نَعْلَيْهِ بِحَاشِيَةِ بِسَاطِهِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ بِإِمْرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، وَلَمْ يُكَنِّهِ، وَلَكِنْ جَلَسَ بِإِزَائِهِ.
قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا هِشَامُ؟ فَغَضِبَ هِشَامٌ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى هَمَّ بِقَتْلِهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقِيلَ: يَا طَاوُوسُ، مَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: وَمَا الَّذِي صَنَعْتُ؟
فَازْدَادَ هِشَامٌ غَضَبًا، وَقَالَ: لَقَدْ خَلَعْتَ نَعْلَيْكَ بِحَاشِيَةِ بِسَاطِي، وَلَمْ تُقَبِّلْ يَدِي، وَلَمْ تُسَلِّمْ بِإِمْرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ تُكَنِّنِي، وَجَلَسْتَ بِإِزَائِي بِغَيْرِ إِذْنِي، وَقُلْتَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا هِشَامُ؟
فَقَالَ: أَمَّا مَا خَلَعْتُ نَعْلِي بِحَاشِيَةِ بِسَاطِكَ، فَإِنِّي أَخْلَعُهُمَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَلَا يُعَاتِبُنِي، وَلَا يَغْضَبُ عَلَيَّ،
وَأَمَّا قَوْلُكَ: لَمْ تُقَبِّلْ يَدِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: “لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَ أَحَدٍ، إِلَّا امْرَأَتَهُ مِنْ شَهْوَةٍ، أَوْ وَلَدَهَ بِرَحْمَةٍ”.
وَأَمَّا قَوْلُكَ: لَمْ تُسَلِّمْ بِإِمْرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ رَاضِينَ بِإِمْرَتِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَكْذِبَ، وَأَمَّا قَوْلُكَ: جَلَسْتَ بِإِزَائِي; فَإِنِّي سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ:
“إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَانْظُرْ إِلَى رَجُلٍ جَالِسٍ، وَحَوْلَهُ نَاسٌ قِيَامٌ” ،
وَأَمَّا قَوْلُكَ: لَمْ تُكَنِّنِي، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَمَّى أَوْلِيَاءَهُ، وَقَالَ يَا دَاوُدُ، يَا يَحْيَى، يَا عِيسَى، وَكَنَّى أَعْدَاءَهُ، فَقَالَ: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) المسد: ١.
فَقَالَ هِشَامٌ: عِظْنِي، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: “إِنَّ فِي جَهَنَّمَ حَيَّاتٍ كَأَمْثَالِ الْقِلَالِ، وَعَقَارِبَ كَالْبِغَالِ، تَلْدَغُ كُلَّ أَمِيرٍ لَا يَعْدِلُ فِي رَعِيَّتِهِ ثُمَّ قَامَ وَذَهَبَ” (وفيات الأعيان (٢ / ٥١٠)، إحياء علوم الدين (٢ / ١٤٦).
هبيرة بن مشمرج الكلابي
هبيرة بن مشمرج الكلابي: أحد الأشراف الشجعان الفصحاء، كان مع قتيبة حين غزا الصين، وَعِنْدَمَا أَرْسَلَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيُّ، وَفْدًا إِلَى مَلِكِ الصِّينِ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ،
فَمَا كَانَ مِنْ مَلِكِ الصِّينِ إِلَّا أَنْ قَالَ لَهُمْ، قُولُوا لِصَاحِبِكُمْ – يقصد قتيبة بن مسلم- يَنْصَرِفُ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ قِلَّةَ أَصْحَابِهِ، وَإِلَّا بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ مَنْ يُهْلِكُكُمْ.
فَقَالَ لَهُ هُبَيْرَةُ: وَكَانَ أَمِيرَ الْوَفْدِ “كَيْفَ يَكُونُ قَلِيلَ الْأَصْحَابِ مَنْ أَوَّلُ خَيْلِهِ فِي بِلَادِكَ، وَآخِرُهَا فِي مَنَابِتِ الزَّيْتُونِ؟
وَأَمَّا تَخْوِيفُكَ إِيَّانَا بِالْقَتْلِ، فَإِنَّ لَنَا آجَالًا إِذَا حَضَرَتْ فَأَكْرَمَهَا الْقَتْلُ، وَلَسْنَا نَكْرَهُهُ وَلَا نَخَافُهُ، وَقَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ حَتَّى يَطَأَ أَرْضَكُمْ، وَيَخْتِمَ مُلُوكَكُمْ، وَيُعْطَى الْجِزْيَةَ”.
أَعَادَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ مَلِكَ الصِّينِ إِلَى صَوَابِهِ، فَاعْتَدَلَ فِي كَلَامِهِ، وَقَالَ لِهُبَيْرَةَ: فَمَا الَّذِي يُرْضِي صَاحِبَكُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُ حَلَفَ أَلَّا يَنْصَرِفَ حَتَّى يَطَأَ أَرْضَكُمْ، وَيَخْتِمَ مُلُوكَكُمْ، وَيُعْطَى الْجِزْيَةَ.
قَالَ: فَإِنَّا نُخْرِجُهُ مِنْ يَمِينِهِ، وَنَبْعَثُ تُرَابَ أَرْضِنَا فَيَطَأَهُ، وَنَبْعَثُ إِلَيْهِ بِبَعْضِ أَبْنَائِنَا فَيَخْتِمُهُمْ، وَنَبْعَثُ إِلَيْهِ بِجِزْيَةٍ يَرْضَاهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ، وَأَرْبَعَةِ غِلْمَانٍ مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِهِمْ،
ثُمَّ أَجَازَهُمْ فَأَحْسَنَ، فَقَدِمُوا عَلَى قُتَيْبَةَ، فَقَبِلَ الْجِزْيَةَ، وَخَتَمَ الْغِلْمَانَ، وَرَدَّهُمْ، وَوَطِئَ التُّرَابَ. (تاريخ الرسل والملوك).
سالم بن عبد الله
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، القرشي العدوي: أحد فقهاء المدينة السبعة، ومن سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم، توفي في المدينة.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: دَخَلَ هِشَامٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا هُوَ بِسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: سَلْنِي حَاجَةً.
قَالَ: إِنِّي أَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ أَنْ أَسْأَلَ فِي بَيْتِهِ غَيْرَهُ.
فَلَمَّا خَرَجَا، قَالَ: الآنَ فَسَلْنِي حَاجَةً.
فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا، أَمْ مِنْ حَوَائِجِ الآخِرَةِ؟
فَقَالَ: مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا.
قَالَ: وَاللهِ مَا سَأَلْتُ الدُّنْيَا مَنْ يَمْلِكُهَا، فَكَيْفَ أَسْأَلُهَا مَنْ لَا يَمْلِكُهَا. (سير أعلام النبلاء – ط الرسالة (4 / 466).
سعيد بن المسيب
سعيد بن المسيّب، أبو محمد: سيد التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع، وكان أحفظ الناس لأحكام عمر بن الخطاب وأقضيته، حتى سمي راوية عمر، توفي بالمدينة.
وَعَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ المَدِيْنَةَ، فَقَالَ لِحَاجِبِهِ: انْظُرْ، هَلْ فِي المَسْجِدِ أَحَدٌ مِنْ حُدَّاثِنَا؟
فَخَرَجَ، فَإِذَا سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ فِي حَلْقَتِهِ، فَقَامَ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ غَمَزَهُ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِأُصْبُعِهِ، ثُمَّ وَلَّى، فَلَمْ يَتَحَرَّكْ سَعِيْدٌ.
فَقَالَ: لَا أُرَاهُ فَطِنَ.
فَجَاءَ، وَدَنَا مِنْهُ، ثُمَّ غَمَزَهُ، وَقَالَ: أَلَمْ تَرَنِي أُشِيْرُ إِلَيْكَ؟
قَالَ: وَمَا حَاجَتُكَ؟
قَالَ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ: إِلَيَّ أَرْسَلَكَ؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنْ قَالَ: انْظُرْ بَعْضَ حُدَّاثِنَا، فَلَمْ أَرَى أَحَداً أَهْيَأَ مِنْكَ.
قَالَ: اذْهَبْ، فَأَعْلِمْهُ أَنِّي لَسْتُ مِنْ حُدَّاثِهِ.
فَخَرَجَ الحَاجِبُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: مَا أَرَى هَذَا الشَّيْخَ إِلَاّ مَجْنُوْناً.
وَذَهَبَ، فَأَخْبَرَ عَبْدَ المَلِكِ، فَقَالَ: ذَاكَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، فَدَعْهُ. (سير أعلام النبلاء – ط الرسالة (4 / 226).
مالك بن أنس
مالك بن أنس بن مالك، أبو عبد الله: إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية، مولده ووفاته في المدينة. كان صلبا في دينه، بعيدا عن الأمراء والملوك.
قال مالك بن أنسٍ رحمه الله، وَجه إِلَيّ هَارُون الرشيد يسألني أَنْ أُحَدِّثَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْعِلْمَ يُؤْتَى وَلا يَأْتِي قَالَ: فَصَارَ إِلَى مَنْزِلِي فَاسْتَنَدَ مَعِي إِلَى الْجِدَارِ
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِجْلالَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، قَالَ: فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيَّ، قَالَ: فَقَالَ لي بَعْدَ مُدَّةٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، تَوَاضَعْنَا لِعِلْمِكَ فَانْتَفَعْنَا بِهِ، وَتَوَاضَعَ لَنَا عِلْمُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، فَلَمْ نَنْتَفِعْ بِهِ.
وَكَانَ سُفْيَانُ يَأْتِيهم إِلَى بُيُوتِهِمْ فَيُحَدِّثُهُمْ وَيَأْخُذُ دَرَاهِمَهُمْ. (الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه (ص84).
للاطلاع على المزيد:
- نماذج من عزة الرسول والصحابة
- أهمية الأخلاق ودورها في صلاح الفرد والمجتمع
- نزول القرآن منجما على قلب النبي صلى الله عليه وسلم