صور من رفق النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة الحيوان

أرسل الله نبيه رحمة للعالمين، وهذه الرحمة ليست للإنس والجن فقط وإنما شملت كل مخلوق ومن ضمن تلك المخلوقات الحيوان.

حب النبي للخيل

عن ‌أنس -رضي الله عنه- قال: (لم يكن شيء ‌أحب ‌إلى ‌رسول ‌الله -صلى الله عليه وسلم- بعد النساء من ‌الخيل)[النسائي]

وعن معقل بن يسار، قال: (لم يكن شيء ‌أحب ‌إلى ‌رسول ‌الله -صلى الله عليه وسلم- من ‌الخيل)، ثم قال: (اللهم غفرا، لا بل النساء)[أحمد]

في حديث أنس ذكر أن أحب شيء لرسول الله كانت النساء وهذا يؤكده حديث آخر وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (حبب إلي من الدنيا النساء، والطيب، وجعلت ‌قرة ‌عيني ‌في ‌الصلاة)[أحمد]

ثم ذكر بعد النساء الخيل وهي كناية عن الجهاد في سبيل الله ليبين أن رسول الله لم يكن منصرفا عن كل شيء لمعاشرة النساء.

وإنما كان مقداما بطلا في الحروب يحتمي الصحابة به إذا اشتدت الحرب، ويكون في مقدمة الصفوف.

فرسول الله محب للنساء مجاهد للأعداء شديد القرب من الله حيث قال: وجعلت قرة عيني في الصلاة.

وفي حديث معقل لما ذكر الخيل أولا أحس بأنه أخطأ فطلب من الله المغفرة وبين أن أحب شيء إليه صلى الله عليه وسلم كانت النساء.

لماذا كانت الخيل من أحب الأشياء للنبي؟

من أسباب محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- للخيل أنها يكون عليها الغزو في سبيل الله، وأن من ربطها في سبيل الله كان هذا من الخير الآجل له.

وأن النتاج الذي يخرج منها من الخير العاجل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الخيل ‌معقود ‌في ‌نواصيها ‌الخير إلى يوم القيامة)[البخاري]

وتخصيص النواصي بالذكر؛ لأن العرب تعبر عن الناصية بالشخص فيقولون: فلان مبارك الناصية. يقصدون به الإنسان فالناصية هي مقدم الإنسان وأهم شيء فيه.

رفق النبي بالقطط

عن ‌كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت ابن أبي قتادة، أن ‌أبا قتادة دخل فسكبت له وضوءا،

فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ فقلت: نعم.

فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنها ‌ليست ‌بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات)[أبو داود]

وهذا الحديث فيه الكثير من الأحكام الفقهية التي استنبطها العلماء منها:

أن القطة أو الهرة طاهرة الذات، وأن سؤرها طاهر، وأن الشرب منه والوضوء منه غير مكروه إذا لم تتلبس بنجاسة، فإذا تلبست بنجاسة فلا يجوز الوضوء من سؤرها.

ويؤخذ من الحديث أن كل طاهر الذات من الدواب والسباع سؤره طاهر حتى ولو كان غير مأكول اللحم.

وفيه جواز بيع القطة لأنها جمعت بين الطهارة والنفع بها.

ومعنى من الطوافين عليكم أي خدم البيوت اللاتي يطوفن بكم، كما في قول الله: (طوافون عليكم بعضكم على بعض) وهم الخدم والمماليك.

ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم شبهها بمن يطوفون للحاجة والمسألة.

النهي عن تحميل الحيوان ما لا يطيق

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن تحميل الحيوان فوق طاقته، أو منعه الطعام والشراب؛ لأنه يحس ويتألم كما يتألم الإنسان.

عن عبد الله بن جعفر قال: ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بغلته، وأردفني خلفه، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تبرز كان أحب ما تبرز فيه هدف يستتر به،

أو حائش نخل، فدخل حائطا لرجل من الأنصار، فإذا فيه ناضح له، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حن وذرفت عيناه.

فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح ذفراه وسراته، فسكن فقال: (‌من ‌رب ‌هذا ‌الجمل؟) فجاء شاب من الأنصار، فقال: أنا، فقال:

(ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكاك إلي وزعم أنك تجيعه وتدئبه)

ثم ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحائط فقضى حاجته، ثم توضأ، ثم جاء والماء يقطر من لحيته على صدره،

فأسر إلي شيئا لا أحدث به أحدا، فحرجنا عليه أن يحدثنا، فقال: لا أفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره حتى ألقى الله)[أحمد]

الحث على الرفق بالحيوان

عن ‌أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا ‌سافرتم ‌في ‌الخصب، فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم في السنة، فأسرعوا عليها السير، وإذا عرستم بالليل، فاجتنبوا الطريق فإنها مأوى الهوام بالليل)[مسلم]

والمعنى إذا سافرتم على الإبل في وقت الخصب ووفرة المرعى فأعطوها حقها في المرعى في بعض النهار وأثناء السير فيكون ذلك أرفق بها.

لكن إذا سافرتم عليها في سنة الجدب وهو قلة المرعى فأسرعوا بها السير ولا تتباطؤا حتى لا تهزل منكم من قلة المرعى.

وإذا نزلتم بالليل للنوم فاجتنبوا النوم بالطريق لأنه مأوى الهوام التي تخرج من الليل فربما تصيب النائم.

عاقبة تعذيب الحيوان

بالرغم من أن الله سخر للإنسان الحيوان لخدمته لكن لم يبح الله له تعذيبه، وإن من يتعمد تعذيب الحيوان وإزهاق روحه يعرض نفسه للعقاب من الله.

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار،

لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ‌ولا ‌هي ‌تركتها ‌تأكل من خشاش الأرض)[البخاري]

وهذا الحديث يتضمن التحري من صغار الذنوب، ويبين أن كل روح إذا عذبها الآدمي بغير إذن كان آثماً، وإذا رحمها ورفق بها متوخياً رضى الله تعالى كان له أجر.الإفصاح عن معاني الصحاح

أجر الرفق بالحيوان

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (‌بينا ‌رجل ‌يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش،

فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له).

قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: (في كل كبد رطبة أجر)[البخاري]

قال ابن بطال: “سقى الماء من أعظم القربات إلى الله -تعالى- وقد قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقى الماء، وإذا غفرت ذنوب الذى سقى الكلب فما ظنكم بمن سقى رجلا مؤمنًا موحداُ أو أحياه بذلك.

وقد استدل بهذا الحديث من أجاز صدقة التطوع على المشركين، لعموم قوله عليه السلام: (فى كل كبد رطبة أجر).

وفيه أن المجازاة على الخير والشر قد تكون يوم القيامة من جنس الأعمال، كما قال عليه السلام: (من قتل نفسه بحديدة عذب بها فى نار جهنم)

Exit mobile version