تميز علماء الحديث بكثرة الترحال وملازمة الأسفار من أجل التحري لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخذ الحديث من مصدره دون واسطة.
حث النبي على طلب العلم
لعل مما شجع أهل الحديث على الرحلة في طلب الحديث هو حث النبي على طلب العلم، فعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
(طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب)[ابن ماجه]
والأحاديث التي دعا فيها رسول الله بالنضارة لأهل هذا العلم حيث قال رسول الله: (نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه)[أبو داود]
وأمر النبي لهم بأن يقوموا بواجب البلاغ عنه حيث قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)[البخاري]
كل هذه الأحاديث وغيرها كانت سببا في قيام الصحابة ومن بعدهم من التابعين بطلب العلم.
رحلة نبي الله موسى في طلب العلم
لما قام نبي الله موسى خطيبا في بني إسرائيل فسأله رجل عن أعلم الناس فقال له نبي الله موسى: أنا.
فعتب الله عليه وأمره أن يأخذ معه مكتل فيه حوت فحيث فقد الحوت فهناك طلبه وهو مقابلة الخضر وهو من أنبياء الله.
وكانت قصته التي قصها الله علينا في سورة الكهف، وكانت هذه رحلة قام بها نبي الله موسى يطلب فيها العلم ليتعلم فيها ما لم يعلمه.
رحلة جابر بن عبد الله في طلب الحديث
سن الصحابة -رضوان الله عليهم- سنة الترحال لطلب السنة من أجل التثبت وزيادة التوثيق لسنة نبيهم.
فكان من هؤلاء الصحابة الذين ارتحلوا من أجل طلب الحديث من مصدره دون واسطة جابر بن عبد الله.
ذكر البخاري في صحيحه في باب: الخروج في طلب العلم. بصيغة التعليق قال: ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر، إلى عبد الله بن أنيس، في حديث واحد
روى الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله، يقول: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاشتريت بعيرا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا، حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس،
فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني، واعتنقته،
فقلت: حديثا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القصاص، فخشيت أن تموت، أو أموت قبل أن أسمعه، قال:
سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يحشر الناس يوم القيامة – أو قال: العباد – عراة غرلا بهما)
قال: قلنا: وما بهما؟ قال: (ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب:
أنا الملك، أنا الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار، أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه،
ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولأحد من أهل النار عنده حق، حتى أقصه منه، حتى اللطمة)
قال: قلنا: كيف وإنا إنما نأتي الله -عز وجل- عراة غرلا بهما؟ قال: (بالحسنات والسيئات).
رحلة أبي أيوب في طلب الحديث
عن أبي أيوب، عن مسلمة بن مخلد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من ستر مسلما في الدنيا، ستره الله عز وجل في الدنيا والآخرة،
ومن نجى مكروبا فك الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه كان الله عز وجل في حاجته)[أحمد]
وقد ذكر الخطيب البغدادي قصة رحلة أبي أيوب إلى مسلمة بن مخلد في طلب هذا الحديث فقال:
عن عطاء بن أبي رباح، قال: خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر، وهو بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فلما قدم أتى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري، وهو أمير مصر فأخبر به فعجل، فخرج إليه فعانقه، وقال:
ما جاء بك يا أبا أيوب؟ قال: حديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يبق أحد سمعه غيري وغير عقبة فابعث من يدلني على منزله، قال:
فبعث معه من يدله على منزل عقبة، فأخبر عقبة به فعجل، فخرج إليه فعانقه، وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال:
حديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك في ستر المؤمن.
قال: نعم سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من ستر مؤمنا في الدنيا على خربة ستره الله يوم القيامة)
فقال له أبو أيوب: صدقت، ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر.
رحلة أبي قلابة في طلب الحديث
عن أبي قلابة، قال: (أقمت في المدينة ثلاثا ما لي بها حاجة إلا قدوم رجل بلغني عنه حديث، فبلغني أنه يقدم فأقمت حتى قدم فحدثني به)
رحلة سعيد بن المسيب في طلب الحديث
قال الإمام مالك قال سعيد بن المسيب: إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد.
رحلة ابن الديلمي في طلب الحديث
قال ابن الديلمي، يقول: بلغني حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، فركبت إليه إلى الطائف أسأله عنه، وكان ابن الديلمي بفلسطين، قال:
فدخلت عليه، وهو في حديقة له، فوجدته مختصرا بيد رجل كنا نتحدث بالشام أن ذلك الرجل من شربة الخمر، قال:
فقلت له: يا أبا محمد هل سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: في شارب الخمر شيئا، قال: فاختلج الرجل يده من يد عبد الله بن عمرو، فقال:
نعم سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا).
قلت: ما حديث بلغني عنك تقوله: (إن صلاة في بيت المقدس كألف صلاة، وإن القلم قد جف)
فقال عبد الله: اللهم إني لا أحل لهم أن يقولوا إلا ما سمعوا مني قالها ثلاثا، قال: ولكني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
(إن سليمان بن داود سأل الله ثلاثا: سأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه، وسأله حكما يصادف حكمه، فأعطاه إياه، وسأله من أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه أن يغفر له).
رحلة الحسن البصري في طلب الحديث
عن الحسن قال: “رحلت إلى كعب بن عجرة من البصرة إلى الكوفة فقلت: ما كان فداؤك حين أصابك الأذى؟ قال: شاة”.
للاطلاع على المزيد: