اهتم الصحابة بالسنة منذ أن كان النبي بينهم، فمنهم من كان يحفظ السنة، ومنهم من كان يقوم بكتابتها، وظل هذا الجهد مستمرا بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الفرق بين كتابة السنة وتدوينها
كتابة السنة معناها هي كتابة السنة في صحائف بصورة خاصة أو بصورة فردية، كما كان يفعل بعض الصحابة -رضوان الله عليهم-
فقد كانت لبعضهم صحائف خاصة يكتبون فيها السنة، وهذا كان كان موجودا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أذن النبي لبعض الصحابة بكتابة السنة، وكان بعضهم لهم صحيفة يكتب فيها ما يسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما تدوين السنة فمعناه كتابة السنة بأمر عام أو تبني الدولة كتابة السنة من كل الصحائف التي كانت مكتوبة ومن الصدور بحيث تكون كديوان رسمي يكتب فيه كل الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أول من فكر في تدوين السنة
أول من هم بتدوين السنة هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد استشار الصحابة في ذلك فاستصوبوا رأيه، وظل يستخير الله شهرا لكنه انصرف عن ذلك.
أخرج البيهقي في “المدخل ” عن عروة بن الزبير، أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه- فأشاروا عليه أن يكتبها،
فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال: (إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله تعالى، وإني -والله- لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا”
أول من قام بتدوين السنة
اتفق العلماء على أن أول من قام بتدوين السنة بأمر عام هو عمر بن عبد العزيز من التابعين، وكان ذلك على رأس المائة الثانية من الهجرة النبوية.
قال العراقي: ” أول من دون الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة الثانية بأمر عمر بن عبد العزيز، وبعث به إلى كل أرض له عليها سلطان،
ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، وحينئذ فقد قال السبكي: ينبغي للمرء أن يتخذ كتابة العلم عبادة، سواء توقع أن يترتب عليها فائدة أم لا”.
وقد ارسل عمر بن عبد العزيز إلى عمرو بن حزم يأمره بأن يكتب ما كان عنده من حديث رسول الله، وأمره بجمع حديث عمرة بنت عبد الرحمن.
روى ابن سعد في الطبقات: “كتب عمرُ بن عبد العزيز إلى أبى بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم أن انظر ما كان من حديث رسول الله، – صلَّى الله عليه وسلَّم -، أو سُنّة ماضية أو حديث عَمْرة بنت عبد الرّحمن فاكتبه فإنّى قد خِفتُ دروسَ العِلْمِ وذهابَ أهله”.
وعن محمّد بن عبد الرّحمن قال: قال لي عمر بن عبد العزيز ما بقى أحدٌ أعلم بحديث عائشة منها: يعني عَمرة، قال: وكان عمر يسألها.
ولم يكن هذا الأمر موجها من عمر بن عبد العزيز إلى عمرو بن حزم فقط وإنما أمر كل أهل الشأن بأن يقوموا بتدوين السنة.
فقد أخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان: “أن عمر بن عبد العزيز، كتب إلى أهل الآفاق انظروا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه”
انتشار التدوين في كل البلاد
انتشرت حركة تدوين السنة في كل البلاد فيجمع علماء كل بلد ما انتشر من السنن فيها وكان هذا الجمع يشمل أحاديث الرسول مختلطة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين.
جاء في كتاب السنة ومكانتها في التشريع: كان أول من جمعه بمكة ابن جريج (- 150 هـ) وابن إسحاق (- 151 هـ).
وبالمدينة سعيد بن أبي عروبة (- 156 هـ) والربيع بن صبيح (- 160 هـ) والإمام مالك (- 179 هـ).
وبالبصرة حماد بن سلمة (- 167 هـ)
وبالكوفة سفيان الثوري (- 161 هـ)
وبالشام أبو عمرو الأوزاعي (- 157 هـ)
وبواسط هشيم (- 173 هـ)
وبخراسان عبد الله بن المبارك (- 181 هـ)
وباليمن معمر (- 154 هـ)
وبالري جرير بن عبد الحميد (- 188 هـ) وكذلك فعل سفيان بن عيينة (-198 هـ) والليث بن سعد (- 175 هـ) وشعبة بن الحجاج (- 160 هـ).
وهؤلاء جميعا كانوا في عصر واحد ولا يدرى أيهم سبق إلى ذلك.
نشاط حركة تدوين السنة
منذ أن أعطى الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز شارة البدء في تدوين السنة على رأس المائة الأولى من الهجرة نشطت حركة التدوين وقام العلماء بهذا الواجب خير قيام.
فجمعوا السنن، وميزوا صحيحها من سقيمها، وقد ألف العلماء مؤلفات متنوعة كلها تخدم السنة فكان منها الكتب التي تجمع السنة وأقوال الصحابة والتابعين.
ومنها التي تفرد السنة بالجمع وحدها، ومنها الصحاح ومنها الجوامع ومنها المسانيد، وغيرها من المؤلفات.
حتى كان القرن الثالث وهو العصر الذهبي للسنة وهو العصر الذي جمعت فيه كل السنة تقريبا.
فكانت بداية التأليف في هذا القرن على طريقة المسانيد بجمع أحاديث كل صحابي على حدة وإن تعددت الموضوعات.
فتجد حديثا في الصلاة بجوار حديث في الزكاة لكن الراوي لهما صحابي واحد، وأول من فعل ذلك هو عبد الله بن موسى، وأسد بن موسى، ثم الإمام أحمد.
وكانت طريقتهم هي إفراد أحاديث رسول الله غير ممزوجة بأقوال الصحابةوفتاوى التابعين.