ما هو سبب كثرة رواية أبي هريرة للحديث رغم تأخر إسلامه؟
أبو هريرة -رضي الله عنه- كان من أكثر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه سلم- رواية للسنة رغم تأخر إسلامه.
متى أسلم أبو هريرة؟
أسلم أبو هريرة -رضي الله عنه- في العام السابع من الهجرة في غزوة خيبر، حيث قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- من اليمن فهو دوسي يماني.
ومن العلماء من قال بأنه أسلم قبل العام السابع قبل قدومه على النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن هجرته للنبي كانت في العام السابع.
ذكر ابن حجر في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة في ترجمة الطفيل بن عمرو الدوسي: “أنه أسلم قبل الهجرة ولما عاد بعد إسلامه إلى قومه -رهط أبي هريرة- دعاهم إلى الإسلام فلم يجبه إلا أبوه، وأبو هريرة”.
وهذا صريح في أن أبا هريرة أسلم قبل قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم.
أهل الصفة
الصفة موضع مظلل في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأوي إليه الغرباء وفقراء الصحابة ومن ليس لهم منزل.
فهؤلاء جماعة كانوا يلازمون مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد انقطعوا للعلم وصحبة رسول الله.
وكانوا هم أضياف الإسلام وكانوا لا أهل لهم ولا مال، وكان رسول الله إذا أتته الصدقات أرسل بها إليهم ولم يصب منها شيئا؛ لأنه لا يأكل من الصدقات، وإذا جاءته هدية أشركهم في هديته.
وكان من أهل الصفة هؤلاء أبو هريرة وكان الصحابي أسماء بن حارثة وأخوه هند من أهل الصفة.
يقول أبو هريرة: ما كنت أرى أسماء، وهندًا ابني حارثة إلا خادمين لرسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طول ملازمتهما بابه، وخدمتهما له.
عدد مرويات أبي هريرة
يقول صاحب كتاب الكمال في أسماء الرجال عن عدد أحاديث أبي هريرة: روي له عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمسة آلاف حديث، وثلاث مئة حديث وأربعة وسبعون حديثًا 5374.
اتفقا أي البخاري ومسلم على ثلاث مئة وخمسة وعشرين حديثًا 325، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين 93، ومسلم بمئة وتسعين 190.
سبب كثرة رواية أبي هريرة للحديث
كان أبو هريرة واحدا من أهل الصفة الذين يلازمون مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فليس له تجارة يقوم على أمرها ولا أرض يقوم بزراعتها.
ولم يكن يشغله شيء عن رسول الله، وقد رد أبو هريرة على تلك الشبهة في حياته فقال:
إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقولون:
ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثل حديث أبي هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق،
وكنت ألزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة، أعي حين ينسون..[البخاري]
دعوة النبي لأبي هريرة بالحفظ
كان من أسباب كثرة رواية أبي هريرة للحديث دعاء النبي له بالحفظ وعدم النسيان، قال أبو هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعى ما أقول). فبسطت نمرة علي، حتى إذا قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك من شيء.[البخاري]
شهادة النبي له بالحرص على الحديث
كان أبو هريرة شديد الاهتمام بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى شهد النبي له بشدة الحرص على سماع حديثه.
عن أبي هريرة أنه قال: قيل: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(لقد ظننت – يا أبا هريرة – أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث،
أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال لا إله إلا الله، خالصا من قلبه، أو نفسه)[البخاري]
إضافة مرويات الصحابة لمروياته
مما هو معروف عند المحدثين مرسل الصحابي ومعناه أن الصحابي ربما لم يسمع الحديث مباشرة من النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن سمعه من صحابي آخر
فيروي هذا الصحابي الحديث الذي سمعه من صحابي آخر عن النبي مباشرة دون ذكر اسم الصحابي وهذا لا يضر في حكم الحديث؛ لأن الصحابة كلهم عدول.
وهذا هو ما حدث مع أبي هريرة -رضي الله عنه- حيث سمع الكثير من الأحاديث من صحابة آخرين فأضاف مروياتهم إلى مروياته فرواها عن النبي مباشرة.
وقد عاش بعد هؤلاء الصحابة كثيرا فكان هذا سببا في كثرة روايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
تأخر موت أبي هريرة
كان من أسباب كثرة رواية أبي هريرة للحديث عن رسول الله تأخر وفاته حيث توفي سنة 58 هجرية وهذا معناه أنه عاش كثيرا بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- مما جعل الناس يحتاجون إليه ومما دفعه لرواية السنة حتى لا يكون ممن يكتمون العلم.
عن أبي هريرة قال: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ
إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَتُوبُ عَلَيۡهِمۡ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ).
إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون)[البخاري]
لم يبث أبو هريرة كل ما عرفه
روى الإمام البخاري في صحيحه وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: (حفظت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعاءَين، فأما أحدهما فَبَثَثْتُهُ، وأما الآخر: فلو بَثَثْتُهُ لقُطِعَ هذا البلعوم.
أي حفظ عن رسول الله نوعين من العلم، أما الثاني لو أذاعه لقطع أمراء السوء رأسه، لأن فيه تبيين لأسما أمراء السوء وأحوالهم وزمانهم فكان أبو هريرة يكني عن بعضه ويصرح ببعضه خوفا على نفسه منهم.