الأصل أن يقضي الإنسان حياته في طاعة لله لينال رحمته ورضوانه فإذا خرج عن الإطار الذي حدده الله له وجب عليه التوبة والرجوع للأصل الذي كان عليه وهو الطاعة.
التوبة واجبة
يجب على الإنسان أن يسارع بالتوبة إلى الله حتى لا يدركه الأجل وهو على معصية لله فتفوته رحمة الله به في الآخرة.
فالتوبة واجبة على الفور على جميع الناس وفي جميع الأحوال، فقد أمر الله عباده بالتوبة إليه فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
فهذا خطاب عام لكل المؤمنين يأمرهم الله بالرجوع إليه بالتوبة عن الطريق الذي يبعدهم عن الله ويقربهم من طريق الشيطان.
وبين الله أنه يحب من عباده من كان كثير التوبة إليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
ما الذي يجب التوبة منه؟
تجب التوبة من جميع الذنوب والآثام صغيرها وكبيرها، والذنب هو كل ما خالف أمر الله من قول أو فعل بفعل محظور أو ترك مأمور به.
ما هي التوبة النصوح؟
التوبة النصوح معناها الْخَالِصُة لِلَّهِ تَعَالَى خَالِية عَنِ الشوائب، وهي التوبة التي يصير الإنسان على خوف من عدم قبولها، وأن لا يحتاج إلى توبة أخرى معها.
ويشبهونها بالذنب الذي يمزق الدين، فتأتي التوبة النصوح لتخيط الموضع الذي مزقه الذنب.
قال الواسطي: “التوبة النصوح لا تبقي علي صاحبها أثرا من المعصية سرا ولا جهرا ومن كانت توبته نصوحا لا يبالي كيف أمسى وأصبح”.
لذلك أمر الله عباده بالتوبة النصوح فقال: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا).
التوبة عن بعض الذنوب دون بعض
من كانت له أوزار وذنوب كثيرة فتاب من بعضها ووقع في بعضها صحت توبته عن الذنوب التي تاب منها، وبقي عليه إثم الذنوب التي يقترفها.
فمن ارتكب الكثير من الجرائم في حق رجل، وكان من بين ما اقترفه أن سرق منه قلما فجاء معتذرا عن جرائمه لكنه لم يعتذر عن القلم الذي سرقه فإن اعتذاره عن تلك الجرائم الكبيرة مقبول، ويبقى الإثم القليل الي يتعلق بالقلم.
فالكافر إذا أسلم وتاب عن كفره صحت توبته حتى وإن كان مستمرا على معصية واحدة.
توبة العائد إلى الذنب
من تاب من ذنب صحت توبته بشروطها ثم وقع في الذنب مرة أخرى فإن توبته الأولى صحيحة.
ويجب عليه توبة أخرى كلما أحدث ذنبا أحدث له توبة ولا يمل من التوبة؛ لأن التوبة في ذاتها عبادة ولا يمل ابن آدم من التوبة حتى يمل الشيطان منه.
عن أبي علي الدقاق رحمه الله قال: “تاب بعض المريدين ثم وقعت له فترة فكان يفكر وقتا لو عاد إلى توبته كيف حكمه؟
فهتف به هاتف يا فلان أطعتنا فشكرناك ثم تركتنا فأهملناك وإن عدت إلينا قبلناك”.
أقسام التوبة
تنقسم التوبة إلى قسمين:
الأول: التوبة فيما يتعلق بحق الله كأن يكون الإنسان تاركا لما فرضه الله عليه فهو في هذه الحالة يجب عليه التوبة وأداء ما افترضه الله عليه.
الثاني: التوبة فيما يتعلق بحقوق الآدميين، كأن يكون الإنسان آخذا حق أخيه أو معتديا عليه بقول أو فعل ففي هذه الحالة يجب عليه أن يرد المظالم لأهلها حتى لا تتعلق به حقوق العباد فلا يستطيع ردها إلا بالحسنات والسيئات في الآخرة.
فمن الناس من يلقى الله بجبال من الحسنات لو سلمت له لكان من أهل الجنة لكن لا تسلم له؛
لأنه يجد أصحاب مظالم يتعلقون به ويطلبون من الله أن ينتصف لهم منه في يوم لا يملك الإنسان مالا ليرد لأصحاب المظالم مظالمهم، وإنما رد الحساب يكون بإعطاء ما جمعه من الحسنات لغيره، أو بحمل السيئات عن غيره.
عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أتدرون ما المفلس؟) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع فقال:
(إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته،
فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)[مسلم]
قال القشيري في الرسالة: قال أبو علي الدقاق رحمه الله: “التوبة على ثلاثة أقسام: أولها التوبة وأوسطها الإنابة وآخرها الأوبة، فجعل التوبة بداية والأوبة نهاية والإنابة واسطتهما،
فكل من تاب لخوف العقوبة فهو صاحب توبة، ومن تاب طمعا في الثواب فهو صاحب إنابة، ومن تاب مراعاة للأمر لا لرغبة في الثواب أو رهبة من العقاب فهو صاحب أوبة،
ويقال أيضا: التوبة صفة المؤمنين قال الله تعالي: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون)
والإنابة صفة الأولياء والمقربين قال الله تعالي: (وجاء بقلب منيب).
والأوبة صفة الأنبياء والمرسلين قال الله تعالي: (نعم العبد إنه أواب).
دوام التوبة لآخر العمر
التوبة ليست وقتا مؤقتا يقضيه الإنسان ثم يعود من جديد لما كان عليه من إلف المعاصي والذنوب.
وإنما التوبة هي انتباه من الغفلة حتى يستمر الإنسان مستيقظا طول حياته إلى أن يدركه أجله قيلقى الله تائبا من ذنبه.
لكن التزام العمل بالطاعات في كل الأوقات أمر ربما لا يقدر على كل واحد من الناس لذا كان من رحمة الله بنا أن بين لنا أن فعل الحسنات بعد السيئات يذهب بأثرها فكلما وقع العبد في معصية أحدث لها توبة وفعل الحسنة، فإن الحسنة تمحو أثر السيئة.
قال الله: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).
وعن معاذ قال: يا رسول الله أوصني. قال: (اتق الله حيثما كنت أو أينما كنت). قال: زدني قال: (أتبع السيئة الحسنة تمحها). قال: زدني. قال: (خالق الناس بخلق حسن)[أحمد]